من المسلّم به منذ فترة طويلة أن أفريقيا باتت بحاجة ماسة إلى تحوّل في النموذج الفكري أو إلى إعادة ضبط الأنظمة لتزويد شعوبها بالمهارات اللازمة وتمكينهم من أجل التصدي للتحديات القديمة العهد التي التي لا تزال ماثلة أمام القارة.
كان كوفيد-19 بمثابة تذكير صارخ بضرورة القيام بعملية إعادة الضبط هذه. وعلى الرغم من الصعوبات الاجتماعية والصحية والاقتصادية العديدة التي سببتها الجائحة، إلا أنها نجحت في رفع الوعي بالإمكانات المتوفرة في كافة أنحاء أفريقيا للقيام بتدخلات مؤثرة وتحويلية، يتم تقديمها من خلال هدف مشترك ورؤية موحدة من أجل غد أفضل للجميع.
يلعب العطاء المؤسسي دوراً حيوياً لتحقيق هذا التحوّل في أفريقيا. فقد أدت الجائحة إلى رفع الوعي بالروابط المتبادلة بين جميع المواطنين، سواء كانوا أفراداً أو مجتمعاتٍ أو أعمالاً تجاريةً أو شركات. وبعد أن بدأنا نتعرف على هذا الترابط ونفهمه بشكل أفضل، أخذ الدور المهم الذي يجب أن تلعبه الشركات في دعم المجتمعات التي تعمل فيها وتعتمد عليها، يزداد وضوحاً، وكذلك الفكرة البسيطة بأن الاستثمار الاجتماعي الفعّال والتحويلي لا يمكن أن يتحقق إذا استمر النظر إلى العطاء المؤسسي على أنه نشاط ثانوي مقارنة بالأنشطة التجارية الأخرى.
لا بد أن يصبح الاستثمار الاجتماعي للشركات جزءاً لا يتجزأ من مشهد الأعمال التجارية وأن يشكل واحداً من الركائز الاستراتيجية لتحقيق النجاح المستدام. فلن تتمكن الشركات في أفريقيا من تحقيق المستوى والزخم المطلوبين كي يصبح الدعم الاجتماعي الذي تقدمه مؤثراً بالفعل إلا من خلال إجراء هذا التحوّل الجوهري نحو العطاء المؤسسي الذي يتم دمجه على نحو استراتيجي.
وبالطبع، هناك تحديات لا بد من التغلب عليها قبل تحقيق الزخم والمستوى المطلوبين. ويكاد يكون من المؤكد أن معظم الشركات التجارية في أفريقيا ستحتاج إلى عدد من السنوات كي تتعافى تماماً وتعود إلى مستويات الفعالية التشغيلية والربحية التي كانت تتمتع بها قبل انتشار كوفيد-19.
لقد أثرت الأزمة الاقتصادية العالمية التي سببتها الجائحة بشكل ملحوظ على الاقتصادات الهشة في معظم الدول الأفريقية. ويعني ذلك من منظور العطاء المؤسسي توفر أموال أقل لدى الشركات لاستخدامها في تقديم الدعم الذي يحتاجه الأفراد والمجتمعات.
إلا أنه لسوء الحظ، ازدادت الحاجة إلى هذا الدعم بشكل كبير خلال العام الماضي، ما خلق فجوة واضحة بين العرض والطلب على الدعم الاجتماعي في معظم أنحاء القارة.
لقد أثبتت لنا الجائحة أن النموذج القديم للمسؤولية الاجتماعية للشركات لم يعد فعالاً في أفريقيا، كما أنه لم يعد مستداماً على الإطلاق. ما نحتاج إليه إذاً هو انتقال أسرع إلى نهج الاستثمار الاجتماعي للشركات – وهو نهج يتميز بشراكات أوثق، ويركز بشكل أقل على تحديد قيمة الدعم الذي يتم تقديمه ويهتم بشكل أكبر في التأثير الإيجابي المستدام الذي يحدثه مثل هذا الاستثمار.