يعد الاصطفاف في طوابير البنوك مشكلة شائعة، لكن بالنسبة للمدرسين في ثانوية عائشة دوراني في كابول بأفغانستان، فهو يعتبر الثمن الذي يجب عليهم تحمله لقبض رواتبهم. ففي كل شهر، ينتظر المدرسون مدة تصل إلى أربع ساعات في طابور أمام مكتب المحاسب للحصول على رواتبهم. وإذا لم يأت دورهم بحلول الساعة 1:30 بعد الظهر، يتوجب عليهم العودة في اليوم التالي للوقوف في الطابور مجدداً.
غير أن الأوضاع تغيرت الآن، حيث أصبح بإمكانهم استلام رواتبهم عبر رسالة قصيرة على هواتفهم النقالة. وتُعد هذه الخطوة جزءً من مشروعٍ رائد يتلقى بموجبه 500 مدرس في كابول رواتبهم من خلال هواتفهم النقالة. كما يزودهم المشروع أيضاً بحساب مصرفي يتيح لهم استخدام الأدوات والخدمات المصرفية الأخرى.
وتشكل هذه المجموعة من المدرسين جزءً من الثورة العالمية للمدفوعات الرقمية (أو المحافظ النقالة). وخلال ست سنوات فقط، تضخمت هذه الصناعة لتشمل 82 مليون مشترك حول العالم، وتأتي في مقدمة الحملة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية. ولاقى هذا النظام للمدفوعات ترحيباً كبيراً باعتباره مثالاً لكيفية تسخير التقنية لخدمة الفقراء، وجعل الخدمات المالية في متناول من ليس لهم حسابات مصرفية.
ويقوم هذا النظام على مبدأ بسيط، لكن فوائده جمّة، حيث تُستَخدم الهواتف النقالة لأداء العمليات المالية بسرعة وتكلفة زهيدة، بما في ذلك سداد الفواتير والتحويلات النقدية للمستخدمين الآخرين واستلام الأموال. ويتوافق المشروع مع كافة أنواع الهواتف: يودع العميل المبلغ النقدي في محفظة افتراضية، ويتم إرسال تنبيه للمستلم برسالة نصية قصيرة، ورمز سري يسمح له بصرف المبلغ.
تعتبر الشمولية المالية (financial inclusion) مسألة ملحّة. ووفقاً للبنك الدولي، فإن واحداً من كل اثنين من البالغين في العالم لا يملك حساباً مصرفياً. وتقدر مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، وهي عضو في مجموعة البنك الدولي، أن الخدمات المالية تصل إلى نسبة 22 بالمئة فقط من البالغين في جنوب آسيا و12 بالمئة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويشكل قصور انتشار الخدمات المالية عائقاً أساسياً أمام النمو الاقتصادي.
ويعتمد سكان العالم الذين لا يتعاملون مع البنوك، والبالغ عددهم 2.5 مليار شخص، على النقود في تعاملاتهم، مما يعرضها للضياع أو السرقة، كما ثبت أنها مكلفة في التعاملات الصغيرة. ويتم فقدان ما يصل إلى ربع المدخرات كل سنة عند الاحتفاظ بالنقود في المنزل، كما يقول تيلمان بروت مدير المحافظ الافتراضية النقالة لبرنامج الفقراء في صندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية (UNCDF). ويمكن أن يكون تسديد الفواتير باستخدام الهواتف النقالة أوفر بنسبة تصل إلى 40 بالمئة مقارنة مع القيام بذلك عن طريق البنك، كما يقول مايكل وكيلِة، الرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات "بروغرس سوفت" المتخصصة في أنظمة الدفع الرقمية.
ولا تُطرح هذه الإشكاليات إلا إذا كان لدى الشخص نقود، إذ تقول غريتا بول، مدير برنامج "الشراكة من أجل الشمولية المالية" لدى مؤسسة التمويل الدولية (IFC): "إن إقامة فرع لبنك في المناطق الريفية حيث لا توجد كثافة سكانية أمرٌ مكلف. وتتميز المحافظ الافتراضية النقالة بأنها تمثل طريقة غير مكلفة لتوفير الخدمات المالية للناس".
ولعل من أنجح نماذج الدفع الرقمية خدمة M-Pesa في كينيا. أطلقت هذه الخدمة عام 2007 لتسديد قروض التمويل الصغيرة وقد شهدت نمواً ضخماً من ذلك الحين. يستخدم حوالي 70 بالمئة من البالغين في كينيا هذه الخدمة الآن، ما ساعد على زيادة مستويات الشمولية المالية في الدولة الإفريقية من 41 بالمئة عام 2009 إلى نحو 67 بالمئة اليوم.
وبشكل مماثل، تعتبر المحافظ الافتراضية النقالة حلولاً مناسبة للدول العربية الفقيرة. فقد وجدت دراسة لبنك استثماري أوروبي أجريت عام 2012 وشملت ست دول عربية، من بينها تونس والأردن ومصر، أن انتشار الأجهزة النقالة وصل إلى 105 بالمئة في هذه البلدان. وبالمقارنة، فإن استخدام التعاملات المالية كان صغيراً لا يتجاوز 36 بالمئة. وبالنسبة لهذا العدد الكبير من السكان الشباب غير المتعاملين مع البنوك، يمكن اعتماد المحافظ الافتراضية النقالة من أجل إجراء التحويلات المالية وتسديد الفواتير.