بعد انقضاء عامين منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطتها الطموحة الهادفة لتنويع اقتصادها والنهوض بالمملكة لمواجهة تحديات المستقبل، بدأت هذه المساعي تؤتي ثمارها. بدءاً بإصلاحات واسعة النطاق، ومروراً بفتح الباب أمام القطاع الخاص لامتلاك حصص في الشركات الحكومية، وغيرها من الخطوات الجريئة، تعمل المملكة على بناء نظام اجتماعي واقتصادي جديد لتهيئة البلاد لحقبة ما بعد النفط.
ضمن هذا التوجه، تم عملياً الاعتراف بالقطاع غير الربحي لأول مرة على أنه قوة دافعة للتغيير الاقتصادي غير مستغلة بشكل كامل. ومن شأن هذه النظرة الجديدة أيضاً أن تغيّر الانطباع التقليدي السائد لدى عامة الناس بأن القطاع لا يتعدى كونه سبيلاً للإحسان وتقديم الصدقات. واليوم تدعو الخطط الحكومية القطاع غير الربحي إلى زيادة نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من المعدل الحالي الذي يتدنى عن الواحد بالمئة إلى خمسة بالمئة على مدى الـ 12 سنة القادمة، ما يضع القطاع غير الربحي في مصافي القطاعين العام والخاص من جهة قدرته على أن يكون محركاً للنمو الاقتصادي في المملكة. وبما أن هذا القطاع كان لغاية اليوم غائباً عموماً عن دوائر النقاش السياسي الوطني، فذلك يشكل الآن فرصة ثمينة بالنسبة للمنظمات غير الربحية لتبرهن عن قدرتها على التعامل مع بعض أهم القضايا وأكثرها تعقيداً التي تواجه المجتمع السعودي.
ويدعم هذه الفكرة تقرير صدر مؤخراً بعنوان "اتجاهات القطاع غير الربحي السعودي"، أعدته مؤسسة الملك خالد الخيرية، وهو مبني على دراسة مسحية شملت جميع أنحاء المملكة. ويوضح التقرير كيف يوظف القطاع غير الربحي مفاهيم الابتكار ليعيد إنتاج نفسه كمحرك للتغيير الاجتماعي المستدام. وتقوم الدراسة على رصد وتقييم الأثر الاقتصادي والتنموي لعمل المنظمات غير الربحية، والعمل التطوعي وممارسات العطاء والإحسان لدى المواطنين السعوديين. كما تُبرِز الدراسة، ولأول مرة، دور القطاع في دعم سوق العمل بالوظائف والمساهمة في الدفع بالاقتصاد بشكل عام.
وبينما تندر البيانات الشاملة والدقيقة حول القطاع غير الربحي عالمياً، يوفر التقرير نظرة شاملة حول المشهد الحالي للقطاع، فضلاً عن تحديد المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس معدلات النمو. وفي هذا السياق، علقت صاحبة السمو الملكي الأميرة البندري بنت عبدالرحمن الفيصل، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الملك خالد، قائلة أن التقرير يساهم في تحديد خارطة الطريق نحو تنمية القطاع وتطويره.
وأضافت قائلة: "تمثل المعلومات الناتجة عن التقرير بالنسبة لنا خط الأساس الذي يمكننا الاستناد إليه كمرجع في عملية رصد التغيير الذي نراه على الأرض وقياسه كمياً. وهو يكشف لنا عن نقاط القوة لدينا كقطاع لكي نبني عليها، كما يحدد لنا مواقع الضعف لكي نعالجها".