تدرك الأمهات في مدينة بوانت نوار أهمية اللقاحات. فعندما طرق شلل الأطفال أبواب المدينة الساحلية، وهي ثاني أكبر مدن جمهورية الكونغو، في أكتوبر 2010، كانت مهددة بتفشي المرض فيها بسبب الظروف المعيشة الصعبة وسوء مرافقها الصحية. شقّت سلالة فيروس شلل الأطفال طريقها من الهند إلى أنغولا قبل أن تزحف شمالاً إلى الكونغو لتكتسح المدينة بشكل شرس، فيما سارع عمال التطعيم لبذل كل جهد ممكن لكبح انتشار الفيروس. وقد أدى الوباء إلى مقتل 180 شخصاً في بوانت نوار وفي منطقة كويلو، كما أصاب المئات غيرهم بالشلل.
يصيب شلل الأطفال عادة الأطفال الصغار، فيقتل ما بين 5 إلى 10 بالمئة منهم. لكن العدد الأكبر من ضحايا مدينة بورت نوار كانوا من الشباب الصغار الذين لم يحظوا بتطعيم يقيهم من المرض، وهو تركة عقود من الحروب الدامية وأنظمة الرعاية الصحية الفاشلة. كانت هذه العناصر معاً بمثابة الهشيم الذي اشتعل به الفيروس وغذى انتشاره عبر أرجاء المدينة، حيث بلغ معدل الوفيات 40 بالمئة.
وتقول سونا باري، المتحدثة الرسمية باسم المبادرة العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال (GPEI) في جنيف: "يجيد هذا الفيروس بدرجة عالية جداً الإيقاع بالضحايا، ويمكنه قطع مسافات طويلة بهدوء كما يمكنه الانتشار بسهولة. لذا، فإن التطعيم هو أفضل دفاعاتنا في مواجهة فيروس شلل الأطفال".
إن اللقاحات علم جذاب ورائع، فهي تقلد عمل العوامل الممرضة لتحفيز ردة فعل الجسم المناعية بالهجوم في حال مواجهته مسببات المرض الحقيقية. وتعد اللقاحات بلا أدنى شك من أقل الوسائل تكلفة في محاربة الأمراض على مستوى العالم، فهي تقضي على بعض الأوبئة الأكثر إثارة للمخاوف، ابتداءً بالحصبة والنكاف إلى السعال الديكي والديفتيريا. وهكذا أنقذ التطعيم حياة ملايين البشر بتكلفة لا تتعدى في كثير من الأحيان بضعة دولارات نظير جرعة اللقاح. وقبل وقت قريب، في عام 1988 زحف شلل الأطفال إلى أكثر من 125 دولة؛ حيث أصاب أكثر من 350,000 شخص سنوياً. واليوم تم دحر الفيروس وحصره في ثلاث دول فقط هي أفغانستان وباكستان ونيجيريا. وتبدو فرصة استئصاله قريبة إلى حد مذهل: ففي عام 2012 لم يتجاوز عدد حالات الإصابة بفيروس شلل الأطفال 225 حالة على مستوى العالم.
غير أن الوصول إلى التطعيم بمثابة خوض لعبة حظ تُعقد على نطاق جغرافي؛ فلا تزال الأمراض التي تلاشت من ذاكرة الغرب تُربك أفقر دول العالم. ويمكن للقاحات أن تكون حلّاً خارقاً لكنه غير مدعوم، إذ تفتقر الدول الضعيفة كأفغانستان واليمن إلى التمويلات التي تمكّنها من شرائها وإلى البنية التحتية اللازمة لتوزيعها. ولا تستطيع شركات الأدوية من جانبها أن تعوّل على أن طلب الدول التي لا تملك المال الكافي لشراء الأدوية سيكون كبيراً ومواتياً لتوقعاتها إلى الحد الكافي لتغطية النفقات التي تتكبدها، والنتيجة هي أن الأطفال يدفعون الثمن. وقد شكّل أطفال الدول الفقيرة 95 بالمئة من الـ 430 شخصاً الذين كانوا يلقون مصرعهم يومياً جراء الإصابة بالحصبة في عام 2011، ومعظمهم لم يبلغ الخامسة من العمر.
حول ذلك يقول كريس إلياس، مدير برنامج التطوير العالمي في مؤسسة بيل وميليندا غيتس، أكبر منظمة خيرية خاصة بالعالم: "إذا رجعنا إلى عام 1990، سنجد أن 12 مليون طفل كانوا يلقون مصرعهم قبل بلوغ الخامسة من العمر، وقد وصل عددهم اليوم إلى سبعة ملايين طفل. كما أن عدد الوفيات التي كان بالإمكان تلافيها عن طريق تناول اللقاح قد بلغ 1.5 مليون وفاة".