اشتهرت دول الخليج عالمياً بمظاهر الثراء والترف، سواء كان في مراكزها التجارية الفاخرة أو فنادقها الراقية أو غيرها من المرافق. لذا تمحورت الأنشطة التجارية في المنطقة حول المستهلكين ذوي الدخل المرتفع والقوة الشرائية الكبيرة. لكن هذا التوجه بدأ يتغير اليوم، إذ تسعى بعض الشركات الناشئة الطموحة في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إحداث تغيير جذري للاستفادة مما تعتبره سوقاً كبيرة مهملة لا تُخدم بشكل كافي، وهي سوق العمّال الوافدين ذوي الأجور المنخفضة.
غير أن شريحة العمالة الفقيرة في دول المنطقة، التي كانت مهمشة في السابق لضعف قوتها الشرائية، تعتبر اليوم سوق نمو مزدهرة؛ حيث يمكن ترويج السلع والخدمات الجيدة والمنخفضة التكلفة.
إنها صفقة رابحة لكلا الطرفين. فقد أصبح العمّال ذوي الدخل المنخفض في الأعوام الأخيرة يتمتعون بخدمات لم تكن متوفرة لهم في السابق، مثل فتح حسابات مصرفية والاستفادة من بوليصات التأمين وخدمات الرعاية الصحية بأسعار معقولة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدخل الشهري لما يقارب ثلثي سكان دولة الإمارات أقل من 1,361 دولاراً، فإنهم بذلك يشكلون سوقاً مغريةً.
"إنها سوق هائلة ذات فرص عظيمة"، هكذا يصفها إيان ديلون، الشريك المؤسس لـ 'ناو موني' (NOW Money)، شركة التكنولوجيا المالية في دبي، التي تقدم من خلال تطبيقها على الهاتف الذكي خدمات مالية للعمّال الذين يقل دخلهم عن المستوى الذي يسمح لهم بفتح حساب مصرفي تقليدي.
ويقول ديلون: "يوجد في الإمارات قرابة 25 مصرفاً بينما لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، لكن كل هذه المصارف تسعى في الأساس إلى كسب العملاء ذوي الدخل المرتفع. أما نحن فنسعى لخدمة الشريحة المتبقية التي تعتبر شريحةً منسية".
بدأت 'ناو موني' تقديم خدماتها في منتصف عام 2019، بتمويل من مستثمرين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات؛ وشمل الممولون صندوق التكنولوجيا المالية التابع لمركز دبي المالي العالمي. تقوم الشركة بخدمات تسوية كشوف الرواتب للشركات الكبيرة، لا سيما في قطاعات البناء والصناعة والتجزئة، إلى جانب إدارة تطبيق الهاتف الذكي الذي يمنح الموظفين حساباً مصرفياً عبر الإنترنت مع بطاقة خصم. ويمكّن التطبيق المستخدمين من تحويل الأموال من أجورهم إلى بلدانهم مباشرةً دون الحاجة إلى الذهاب إلى مكاتب الصرافة، فضلاً عن إضافة الأرصدة لهواتفهم النقّالة لإجراء المكالمات.
وخلافاً لما هو متبع لدى معظم مزودي خدمات صرف الرواتب في المنطقة، فإن 'ناو موني' لا تتقاضى رسوماً من عملائها من الشركات عند فتح حساباتهم. ويقول ديلون، الذي عمل سابقاً في مجال الاستثمار المصرفي في المملكة المتحدة: "هذه هي النقطة التي تميزنا عن غيرنا. إن تركيزنا ينصب على تقديم خدمة رائعة للعامل، لأن هذا هو المكان الذي نجني فيه أموالنا. لدينا دافع لا يمتلكه منافسونا".
جاء نموذج عمل 'ناو موني' بتقديم الخدمات المالية لشريحة كانت خارج القطاع المصرفي كلياً في أنسب وقت، كما يرى كزافيير غريغوري ليري، الرئيس التنفيذي لشركة 'آي باي القابضة' (iPay Holding)، التي تدير 44 منفذاً للبيع بالتجزئة ضمن امتياز لصالح شركة دو للاتصالات في دبي.
قامت 'آي باي القابضة'، التابعة لمجموعة 'إنتلتك' (Inteltec)، بالاستثمار مباشرة في 'ناو موني'، كما يستخدم ليري منصة آي باي لدفع رواتب 300 موظف يعملون في شركته في الإمارات.
وعن مزايا المنصة، يقول ليري: "إنها حقاً ما يحتاج إليه هذا البلد. فهي بالفعل تسد فجوة وتضع حداً لمعاناة العديد من الناس. كما أنها تفي تماماً بالغرض بالنسبة لي في أعمال التجزئة، لأنها إلى جانب تيسير دفع أجور الموظفين الشهرية، تمكنني أيضاً من منحهم عمولتهم على أساس يومي. لقد كان لهذه الخطوة تأثير كبير من جهة تحفيزهم على العمل، وبالتالي زيادة المبيعات".
وفي نهاية عام 2020، دخلت 'ناو موني' في شراكة مع بنك دبي التجاري لتقديم خدمات فتح الحسابات والبطاقات المصرفية لعملاء البنك الحاليين والمستقبليين من ذوي الدخل المنخفض. ومن شأن ذلك أن يضيف آلاف العملاء الجدد إلى المنصة، ويساهم في دمجها مع الأنظمة المعتمدة الرئيسية، ويسمح للعديد من العمّال ذوي الدخل المنخفض بالتمتع بالخدمات المصرفية.
ويقول ديلون أن الخطوة التالية هي التوسع في المملكة العربية السعودية وأسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.