على مدار العام الماضي، فإن الإبادة الجماعية المستمرة التي لا هوادة فيها بغزة قد جلبت معها إلى محور التركيز الحاد كل القضايا الطويلة الأمد للاحتلال والحكم الاستعماري والمناقشات الجيوسياسية الجمة. ولقد شاهدنا برعب كيف تجلي العنف أمامنا على شاشاتنا، حيث رأينا عائلات بأكملها يتم إبادتها، وحيث تم تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات.
وبالنسبة لأولئك الذين نجوا، فإن النداء العاجل لتقديم الدعم الإنساني الفوري لم يكن قد لاقي صدى عميقاً عبر الإقليم العربي فقط، بل وفي الواقع عبر جميع أنحاء العالم.
ووسط هذه الخلفية، فإن المؤسسات العربية – سواء الأعضاء في ملتقي المؤسسات العربية الداعمة (AFF) أو غيرها من المؤسسات الخيرية في الإقليم – نهضت وتصدت لهذا النداء من خلال تعبئة الموارد، وتقديم المساعدات، وتشكيل الحوار الأوسع حول العمل الخيري والعدالة الاجتماعية على المستوي العالمي.
وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن هناك حواراً أكبر منه يجب إجراؤه حول دور العمل الخيري في دعم إعادة بناء مجتمعاتنا المحلية والعامة على المدى الطويل والتمويل المستدام اللازم لتحقيق ذلك.
وحتى الآن، لم نشهد جهداً متضافراً من قبل المؤسسات الخيرية للالتزام بتمويل طويل الأجل ومدفوع بالأثر تجاه غزة أو فلسطين. وفي الواقع، إذا قارنا تعبئة الدعم الخيري لأوكرانيا منذ بداية تلك الحرب مع ما تم تخصيصه لغزة، فإن الفرق الصارخ يكون صادماً.
وكانت استجابة المانحين العرب للأزمة الإنسانية بغزة سريعة ومتعددة الأوجه في معظمها. والأجدر بالذكر هاهنا هو أن الأفراد قد ساهموا بملايين الدولارات في كلا من التمويل الجماعي والجهود الممولة شخصياً، والتي مكنت سكان غزة من الفرار إلى مصر أو خارجها.
وأطلقت العديد من المؤسسات حملات إغاثة طارئة على الفور، وهذا مع التركيز على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وتنسيق الجهود لإيصال الغذاء والإمدادات الطبية والمأوى الطارئ إلى المجتمعات التي دمرتها الحرب.
وفي جميع أنحاء الإقليم، تحركت الحكومات والهيئات الخيرية بسرعة أيضاً، وقدمت الدعم لغزة من خلال التمويل الخيري الخاص والمساعدة الإنمائية الرسمية (ODA).
وعلى سبيل المثال، قدمت المملكة العربية السعودية أكثر من 158 مليون دولار أمريكي. وتم جمع هذا المبلغ الكبير من خلال منصة «ساهم» التي يديرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وتم توجيهه نحو مختلف جهود الإغاثة الإنسانية في غزة، بما في ذلك الغذاء والإمدادات الطبية وغيرها من المساعدات الأساسية الأخرى.
وفي الوقت نفسه، خصصت حكومة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 62 مليون دولار لجهود الإغاثة، منها 20 مليون دولار لدعم جهود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (UNRWA).
كما قدمت المساعدات دول أخرى في الإقليم، بما في ذلك قطر والأردن والمغرب وعمان ومصر، سواء من حيث الدعم المالي أو المساهمات العينية، وساعدت في تسهيل إيصال المساعدات على الأرض.
وفي حين أن هذه الجهود تحظى بكل التقدير، إلا أنها للآسف ليست قريبة بما يكفي للتخفيف من حدة الأزمة حالياً أو في المستقبل. وعندما يأتي «اليوم التالي»، فإننا سوف نواجه تكلفة إعادة بناء كاملة لما هي حياة الأكثرين، ولما نأمل أن تكون هي أمة حرة ذات سيادة