عصفت جائحة كورونا بمختلف دول العالم، فعلى مدار العام الماضي، خسر أكثر من مليوني شخص أرواحهم وعانى الكثيرون غيرهم من فقدان مصادر رزقهم أو تعطيلها. كما تعثر السفر والتجارة والنشاط الاقتصادي وبات عالمنا الذي كان مترابطاً في يوم من الأيام يعاني من العزلة والتفكك.
لكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة التي شهدناها على مدى الأشهر الماضية إلا أننا حققنا إنجازات أيضاً. فقد تحسنت سرعة ونطاق تشخيص المرض وعلاجه بشكل كبير. بل في الواقع تم تطوير عدد أكبر من وسائل التشخيص لكوفيد-19 على مدار الاثني عشر شهراً الماضية من تلك التي تم تطويرها لجميع أمراض المناطق المدارية المهمَلة العشرين خلال المئة عام الماضية، فضلاً عن اللقاحات ضد هذا الفيروس التي ظهرت بمعدل غير مسبوق.
نرى اليوم زيادة في معدل الإصابات التي يتم التبليغ عنها في أفريقيا التي كانت تشهد أعداداً منخفضة من الإصابة في السابق. وما يستدعي القلق بشكل أكبر اكتشاف سلالات جديدة من الفيروس في كل من الدنمارك والمملكة المتحدة وجنوب أفريقيا والبرازيل واليابان وكاليفورنيا، ما يخلق مخاوف جديدة بشأن قابلية انتقال الفيروس وضراوته وفعالية اللقاحات.
لن يصبح أي شخص في مأمن من هذا الفيروس ما لم يصبح جميع الناس آمنين. ففي تحليل أجرته مجموعة يوراسيا Eurasia Group، وهي شركة استشارية متخصصة في تحليل المخاطر، تبين أن ترك الدول المنخفضة الدخل والدول ذات الدخل المتوسط الأدنى تواجه بنفسها تداعيات كوفيد-19 سيلحق أضراراً اقتصادية كبيرة، وهو ما قد يقوّض عقوداً من التقدم وقد يطيل أمد الوباء على مستوى العالم.
كما تشير العديد من الدراسات أن التوزيع الأكثر إنصافاً للقاحات على العاملين في الخطوط الأمامية والفئات الضعيفة سيؤدي إلى خروج العالم بسرعة أكبر من الوباء.
إننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التضامن والتعاون والتنسيق على المستوى العالمي، فعالمنا بحاجة إلى نهجٍ جريءٍ ومنسقٍ للتصدي لتداعيات كوفيد-19.
وفي محاولة لضمان التوزيع العادل للقاحات، قامت منظمة الصحة العالمي والتحالف العالمي للقاحات والتحصين (غافي) وتحالف الاستعداد والابتكار في مواجهة الأوبئة (CEPI) بإطلاق مبادرة كوفاكس Covax التي تمثّل ركيزة اللقاحات لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 (ACT) Accelerator.
تجمع هذه المبادرة الحكومات والمنظمات الصحية العالمية ومصنعي اللقاحات والعلماء والقطاع الخاص والمجتمع المدني والقطاع الخيري تحت مظلة واحدة من أجل توفير لقاحات كوفيد-19 لمن هم في أمس الحاجة إليها، أياً كانوا وأينما وجدوا. كما تسعى مبادرة كوفاكس إلى حماية ما لا يقل عن 20 بالمئة من السكان في كل دولة من الدول المشاركة فيها بحلول نهاية عام 2021.
بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس (COVAX AMC)، ستقوم الدول المرتفعة الدخل بتوفير التمويل لضمان عدم استبعاد الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من التحصين لأنها غير قادرة على شراء اللقاحات بكميات كبيرة.
تعتمد آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس على خبرة التحالف العالمي للقاحات والتحصين (غافي) التي اكتسبها على مدى عقدين من الزمن وقدم خلالها اللقاحات المنقذة للحياة لأكثر من نصف سكان العالم، بما في ذلك المجتمعات التي يصعُب الوصول إليها.
وتعد هذه الآلية خطوة في غاية الأهمية لضمان الوصول العادل إلى لقاحات كوفيد-19، بغض النظر عن مستوى دخل البلد، ولكنها تستدعي قيام المانحين السياديين والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص باستثمار عاجل بقيمة ملياري دولار بحلول يونيو 2021 من أجل سد الفجوة في التمويل.