تشكل الشركات الناشئة جزءاً من جدل أوسع يتناول الروابط بين شركات الأعمال الخاصة والمجتمع، وقد بدأ يكتسب أهميةً متزايدة منذ انطلاق الربيع العربي. فنتيجة للاضطرابات الأخيرة، بات التركيز واضحاً في المنطقة على مشكلة بطالة الشباب وانعدام المساواة الاقتصادية، وبات من الواضح أن الحكومات لا تملك الأموال اللازمة ولا القدرة على معالجة هذه المشاكل بمفردها. وتم الترويج لريادة الأعمال بصفتها ترياقاً لهذا المزيج من المشاكل، لكنها ما زالت بحاجة إلى دعم من قطاع خاص ناشط، وهذا ما لا يتفق عليه الجميع.
ويقول غندور: "لا تبذل الشركات مجهوداً كافياً لحد الآن، ففكرة أنها مسؤولة فقط عن تأمين نجاحها التجاري تُعتبر، برأيي، ضرباً من الجنون. إذا نظرنا إلى الدول حيث اندلعت الانتفاضات، سنلاحظ أن القطاع الخاص فيها كان متراجعاً. لذا، من مصلحة الشركات أن تقدم المزيد، سواء من رأسمالها الخاص أم معارفها أم قدراتها".
يقوم غندور بحملة لتعميم التأييد لفكرة إعادة ابتكار برامج عمل الشركات. فعوضاً عن نظام رأسمالي محدود الأفق ينصب فيه هدف الشركات على تحقيق الأرباح لا أكثر، يصف غندور نموذجاً تحتل فيه العائدات الاجتماعية مكانةً لا تقل أهميةً عن العائدات المالية. ينطوي هذا الأمر على إرباك سير العمل وفق نظام الأعمال القائم ليحل محله النموذج الناشئ الذي سيعتمد بالدرجة الأولى على إقناع الشركات بجدواه. لا شك أن تحقيق أهداف الربيع العربي المتمثلة في إيجاد فرص العمل، وتأمين الاستقرار وظروف معيشة أفضل سيتعطل إذا لم تنشأ أنظمة اقتصادية حيوية يقودها القطاع الخاص.
ويضيف قائلاً: "لا يتعلق الأمر بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، بل بالشركة ككائن له وجوده المؤثر على المجتمع من حوله ... فرخاء الشركة وازدهارها مرتبطان برخاء المجتمع الذي تنشأ فيه، والعكس صحيح. إذا لم نأخذ هذا الرأي بالاعتبار، فإننا قد نضحي بنجاح طويل الأمد مقابل تحقيق بعض المكاسب السريعة".
ويواصل: "لعل المطالبة بالتغيير قد خفتت اليوم، لكن من يفترض أن المشكلة قد حُلَت فهو يتحمل عواقب الخطأ في التقدير. فما زالت الأسئلة ذاتها مطروحة: كيف يتم توزيع الثروة في المجتمع؟ وكيف نشجع شبابنا على خلق فرص العمل والاستفادة من ثروة المجتمع؟".
ولا يقوم نقد غندور على مجرد نظريات، بل إنه يطبق فعلياً ما يعظ به في حياته اليومية. فالعمل المؤسساتي الناشط اجتماعياً هو ضمن نسيج بيئة العمل المعتمدة لدى أرامكس. وللشركة سجلٌ عريق يشهد لنشاطاتها في مجال الإغاثة عند الكوارث، وتطبيق برامج التعليم والتوظيف، وتعزيز الرياضة وتنمية الشباب ــ هذا بالطبع إلى جانب مساعدة أصحاب المشاريع. كما أنها تتبع سياسة التعامل مع الشركات الناشئة، فإذا كان بمقدورها التعاقد مع موردين أو مزودي خدمات من الشركات الصغيرة أو المتوسطة الحجم على حساب شركة عملاقة، فلن تتردد في فعل ذلك.
ويقول غندور: "يسألني الناس عن الفرق ما بين شركة أرامكس والشركات المنافسة لها التي تُقدر أعمالها بمئات المليارات من الدولارات. فأجيب دوماً أن الأمر يتعلق بثقافة شركتنا، فبمقدور أيٍ كان أن يبيع الخدمات التي نقدمها". ويضيف: "للقطاع الخاص مهمة أساسية. فليس بمقدور الحكومات إجراء الإصلاحات بمفردها، وشبكة الأمان التي يؤمنها نظام الرعاية الاجتماعية لا يمكن أن تغطي جميع الاحتياجات. هل سيكلفنا الأمر؟ نعم. ولكنه استثمار سيؤتي ثماره في المستقبل".
يتعلق الأمر، إلى حدٍ كبير، بنشر فكرة الرأسمالية الواعية هذه بين الجيل الجديد. يعزو غندور، وهو مواطنٌ أردني، جذوره في العمل الناشط إلى نشأته على خلفية النزاع العربي الإسرائيلي، فقد كانت السياسة تحتل محور الحديث بشكل يومي، كما كان هناك، كما يذكر، "مفهومٌ واضح للعدالة الاجتماعية والواجبات، وحسٌ بضرورة تغيير شيء ما في هذه المنطقة".
سعى غندور إلى تطبيق هذا المفهوم من خلال مشروع "رواد" الذي يقدم منحاً دراسية إلى طلاب الجامعات الواعدين، تتراوح قيمتها عادةً بين 2,000 و3,000 دولار لكل طالب سنوياً. في المقابل، يُتوقع من هؤلاء الطلاب إيجاد عمل تطوعي في مجتمعاتهم المحلية، كطريقة للمساهمة بجهدهم وعملهم مقابل تأمين المال. وفي هذا الإطار، يقول غندور: "لسنا بجمعية خيرية. يجب أن يكسبوا المال. نؤمن لهم تعليماً مجانياً، لكن يجب أن يتعلموا أيضاً أن يعطوا بالمقابل".
ويؤكد غندور أن ضبط هذه العملية بالشكل الصحيح سيؤدي في النهاية إلى جعل هؤلاء الخريجين دعامة لثورة في عالم ريادة الأعمال، حيث تكون الأرباح والعائدات الاجتماعية مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً. فيقول: "هكذا تنمي مواطنين ناشطين، وليس بانتظار أن تقوم الحكومة بمعالجة المشاكل الاجتماعية. سيملك المواطنون حينذاك حساً بالملكية والمسؤولية تجاه مجتمعاتهم المحلية وتجاه جيرانهم".