يُعتبر الوقت سلعة بالغة القيمة لعبد العزيز الغرير. يعود هذا المصرفي البارز إلى دبي بعد أن كان قد أمضى الشهر الفائت خارج البلاد، ليقضي فيها ساعات قليلة فقط قبل اضطراره إلى معاودة السفر وقصد وجهات أخرى. ولكن على الرغم من ضيق الوقت، يسمح لنفسه أن يتأمّل ويفكّر لدقائق في دورة حياة المواطن الخليجي في زمن اليوم.
فيقول: "في البداية، يرتاد الجامعة. وبعد التخرّج مباشرة، عليه أن يبني مكانةً له في ساحة الأعمال. العمل الخيري ليس في ذهنه، لأنه لن يكون لديه من المال ما يقدمه ما لم ينل النجاح أولاً ... وفي حال عرف النجاح، يبقى غير قادر على التفكير في العطاء لأنّه كثير الانشغال ومنغمر في العمل".
ويتابع الغرير قائلاً: "لا تأتيه فكرة العطاء إلّا بعد أن يكون قد حقق الإنجازات، والكثير منها. فعندما يبلغ الستين أو السبعين من العمر، يعود بتفكيره إلى الوراء ليدرك أنّه لم يقدّم شيئاً للمجتمع طوال الحقبة السابقة. وحالما يدرك ذلك، يسارع إلى القيام بأي فعل، وفي عجلته هذه يرتكب الأخطاء".
"بالفعل، لو كان لنا أمر التخطيط له، لكان هذا الحافز [للعطاء] قد بلغنا ونحن في الثلاثين أو الأربعين من العمر. لقد حان الوقت لكي تتغيّر الأوضاع مع الجيل المعاصر؛ إن كان عصرنا هو عصر بناء الثروات الطائلة، فالأمر يعود الآن إلى أولادنا لردّ الجميل والعطاء. وليس عليهم التبرّع بمبالغ طائلة من الأموال، إنّما يكفي أن يقدِم الإنسان على أي فعل يدل على أنّه قد استثمر جزءاً من قلبه وروحه في عمل الخير هذا".
يرفض الغرير بشكل قاطع بحجة كثرة العمل للامتناع عن الاستثمار في أعمال الخير. فذلك الرجل الذي هو الرئيس التنفيذي لبنك المشرق الذي يُعتبر واحداً من المصارف الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يساهم أيضاً في إدارة الشركات القابضة المختلفة التي تعود للعائلة وتعمل في مجالات العقارات والأغذية والإسمنت والمقاولات والنشر والبتروكيماويات ومجالات أخرى. إلى جانب ذلك، سبق للغرير أن شغل منصب رئيس المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الهيئة التشريعية في الدولة، كما أنه أيضاً الرئيس الحالي لمجلس إدارة شبكة الشركات العائلية لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي هيئة إقليمية مؤلفة من أعضاء ينتمون إلى شركات عائلية رائدة.
فضلاً عن ذلك، ظلّ طيلة عقود يفعل الخير بشكل هادئ ولكن بالتزام دائم. فهو عضو في مجلس مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب، وهي مبادرة وطنية متكاملة أسسها وأطلقها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي. وقد تبرّع بملايين الدولارات من أمواله الخاصة من أجل مبادرات إنسانية متعددة بحيث أنّ التذكارات التي تلقاها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تحتشد مع غيرها من الجوائز المصرفية التي حصدها بنك المشرق على مدار السنين الماضية.
ترتكز أولويات الغرير على مجالين أساسيين هما تحسين مستوى التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، وتوفير فرص أكبر للنساء للكسب المادي والمساهمة في نمو الاقتصادات النامية. وتحقيقاً لهاتين الغايتين، صبّ أمواله في عدد كبير من المبادرات التعليمية، لا سيما من خلال "مؤسسة المواطنين" وهي واحدة من أكبر الجمعيات غير الربحية في باكستان. علاوة على ذلك، ساهم في منظمة "بلانيت للتمويل" (PlaNet Finance)، وهي مبادرة للتمويل الأصغر ساعدت النساء في فلسطين ــ إلى جانب مبادرات أخرى عديدة ــ على تصنيع مجموعة من السلع الغذائية التي تتوافر حالياً في رفوف المتاجر الكبرى في دول المنطقة.
وفي معرض حديثه، يشدّد الغرير قائلاً: "لا يمكن أن يُعتبر المرء مفرطاً في الإنفاق على نشر التعليم في المنطقة". ويتابع قائلاً: "يمكن أن ننظر إلى مستويات مختلفة من التعليم، لتعليم الفتيات والنساء والفتيان والرجال، فنوصلهم إلى مستوى الثانوية وفي نهاية المطاف إلى الجامعة. ذلك أنّ الشخص المتعلّم يمكن أن يساعد عائلة أكبر. أما الشخص غير المتعلّم، فسينتهي به المطاف إلى أن يكون عاملاً أو على قارعة الطريق من دون مأوى".
"[إنّ المبادرة الفلسطينية] هي مبادرة تمكينية من الناحية الاقتصادية، كما أنّها تساعد في الحفاظ على ثقافة المنطقة". ويردف قائلاً: "لست بحاجة إلى إبعاد امرأة ما من بلدتها، وهي ليست مضطرة إلى القدوم إلى المدينة الكبيرة. بل تبقى حيث هي، وتعتني بوالديها وأولادها، وتحصل على المال الكافي لكي تبدأ نشاطاً تجارياً صغيراً على مستوى البلدة التي تقيم فيها".