ثورة في الريف

تعرّف على 'سيدات المعلومات' اللواتي يوصلن خدمات الاتصال الحيوية إلى المجتمعات الريفية في بنغلاديش.

لا تتجاوز سوما خاتون 21 عاماً من العمر، ومع ذلك أصبحت إحدى رائدات الأعمال اللواتي ينتظر عملاؤها بفارغ الصبر رؤيتها بزيّها البنفسجي والأبيض تعبر الحقول الخضراء في ريف بنغلاديش. صوت جرس دراجتها الهوائية المتواضعة يبشر عملاءها بوصول مجموعة جديدة من أجهزة التقنية العالية إليهم والمتمثلة في الكمبيوتر المحمول والكاميرات الرقمية وبعض معدات الفحص الطبية - لتتيح لهذه المجتمعات الريفية النائية في بنغلاديش الاتصال والتواصل مع العالم بأسره.

خاتون هي إحدى سيدات برنامج 'إنفوليدي' (Info-Lady)، أو "سيدات المعلومات"، التي يشمل نطاق عملها ثماني قرى شمال شرق العاصمة البنغالية داكا. تتنقل خاتون بين المجتمعات الريفية على متن دراجتها لتزور كل قرية ثلاث مرات في الأسبوع. موفرة بذلك للقروين العديد من الخدمات ذات الفوائد الجمّة، لكن لا تقتصر الفائدة عليهم فحسب، فانضمام هذه الشابة إلى برنامج إنفوليدي أتاح لها التحول من ربة منزل إلى رائدة أعمال لها استقلاليتها وكرامتها ودخلها الخاص.

تقول عن ذلك: "لقد كنت ربة منزل عادية لا يعرفني أحد. أما الآن، فالكثيرون يترقبون قدومي بفارغ الصبر كل يوم، وأنا فخورة جداً بعملي".

خاتون واحدة من بين 50 شابة في برنامج إنفوليدي اللواتي حصلن جميعاً على التدريب والدعم من المشروع الاجتماعي البنغالي غير الربحي 'دي-نت' (Dnet). ويهدف البرنامج - الذي أكمل مراحل تجريبية استغرقت سنوات قبل إطلاقه رسمياً في العام 2010 - إلى توفير خدمات الاتصالات والإنترنت في المناطق النائية من الريف البنغالي، إذ يمكن لهذه التقنيات المساهمة في تمكين تلك المجتمعات الفقيرة.

وقد رأى أنانيا ريحان، الرئيس التنفيذي لمشروع دي-نت، في تزايد عدد الشابات المتعلمات في هذه المجتمعات، فرصة سانحة لتحسين حياة الناس.

ويقول: "يقدم برنامج إنفوليدي الفوائد للنساء البائعات والمشتريات على حد السواء، وهو برنامج ‘من النساء وإلى النساء’. إذ أن فرص النساء في الدخول إلى منازل الأسر الريفية أفضل لتقديم الخدمات إليها، وهذا أفضل مقاربة لإيجاد فرص العمل للنساء ومنحهم شيئاً من الاستقلالية في الوقت ذاته".

ويضيف قائلاً إن الفوائد جلية خاصة بالنسبة للنساء في المناطق المحافظة، حيث تحظر التقاليد المحلية عليهم السفر للاستفادة من مثل هذه الخدمات.

تقول لورا محي الدين، رئيسة برنامج إنفوليدي: "نأمل في ردم الثغرة القائمة في حياة القرويين. ففي القرى النائية، لا يستطيع السكان النفاذ إلى الإنترنت، ويعجز كثير منهم عن شراء كمبيوتر محمول أو استخدامه".

توضح محي الدين بقولها أن هذه الثغرة هي ما دفعت بفكرة برنامج إنفوليدي الذي يقوم على منطق بسيط: إذا كان الناس لا يستطيعون الوصول إلى التقنية، فالحل هو أن نوصل التقنية إليهم.

image title image title
تعمل سيدات المعلومات في مناطق بعيدة، حيث يسافرن من قرية إلى قرية بالدراجات الهوائية لتوصيل التكنولوجيا والخدمات الأخرى إلى المجتمعات.

تتنقل سيدات المعلومات بين المناطق الريفية وبحوزتهن أجهزة يمكنها أخذ العينات، وإرسال نتائج الفحوصات الطبية إلى العيادات، وإجراء فحوصات ما قبل الولادة، وحتى إعداد جلسات مكالمة بالصوت أو الفيديو عبر برنامج سكايب للقرويين. كما يحملن أيضاً معلومات توعوية مخزنة على حواسيبهن المحمولة، مثل مقاطع الفيديو التي تشرح كيفية معالجة المشاكل الزراعية الشائعة وغيرها.

ومن أبرز جوانب برنامج إنفوليدي أنه ليس خيرياً أو مجانياً، بل تتقاضى السيدات رسوماً رمزية تمكنهن من كسب المال واستثمار جزء منه في أعمالهن.

ويوضح ريحان ذلك بالقول: "نؤمن في مشروع دي-نت أن العمل الخيري يجب أن يقتصر على الحالات التي لا يصلح فيها أيّ نهج آخر. لذا ومن أجل تحسين حياة الفقراء بشكل دائم، علينا أن نوفر لهم فرصاً جيدة من خلال ريادة الأعمال".

معظم سيدات برنامج إنفوليدي هم شابات متزوجات تتراوح أعمارهن بين 18 و35 سنة، وكنّ يعشن مع عائلات أزواجهن في فقر مدقع وظروف صعبة للغاية. والكثيرات منهن لم تكن قد رأت حاسوباً من قبل. وتخضع المنتسبات الجدد لتدريب مكثف مدته تسعة أيام على المهارات الأساسية والرعاية الصحية واستخدام التقنية، قبل أن تختار كل واحدة منهن مجموعة الخدمات التي ترغب بتقديمها لعملائها في المناطق الريفية.

تشمل هذه الخدمات إجراء فحص ضغط الدم مقابل 0.13 دولار تقريباً، أو تقييم مخاطر الحمل بسعر 0.06 دولار، أو تصفح الإنترنت مقابل 0.39 دولار لتمكين العملاء من البحث عن وظيفة أو معرفة نتائج الامتحانات. كما توفر سيدات المعلومات أيضاً لعملائهن مكالمات سكايب بسعر 1.3 دولار للساعة، للاتصال بأقاربهم الذكور الذين يعملون غالباً في الخارج.

تقدم خاتون أيضاً خدمات مشورة صحية للنساء الحوامل عبر الهاتف النقال، وتقول: "جميع الخدمات المتعلقة بالصحة رائجة للغاية، بسبب عدم وجود عيادات جيدة التجهيز يمكنها تقديم العلاج الطبي المناسب في هذه القرى".

"لتحسين حياة الفقراء بشكل دائم، علينا أن نوفر لهم فرصاً جيدة من خلال ريادة الأعمال".

أنانيا ريحان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دي-نت.

تكسب خاتون دخلاً يتراوح بين 100 و125 دولاراً في الشهر، وهذا يقارب متوسط دخل زميلاتها في برنامج إنفوليدي، مع أن بعضهن قد تكسب ما يصل إلى 150 دولار شهرياً. وتدفع كل منهن 30 دولاراً شهرياً لتسديد قرضها، إذ تشتري سيدات برنامج إنفوليدي معداتهن من مدخراتهن الخاصة وقروض مصرفية صغيرة بفوائد ميسّرة.

يوضح ريحان ذلك، قائلاً: "في الوقت الراهن، يقدم البنك الوطني المحدود في بنغلاديش قروضاً لسيدات برنامج إنفوليدي بفائدة 9 بالمئة، بينما تتراوح أسعار الفائدة التجارية في بنغلاديش عادةً بين 15 و17 بالمئة".

وتتراوح تكاليف التجهيز الأولي لكل سيدة في المتوسط بين 35,000 و75,000 تاكا (أي ما يعادل 440 - 945 دولار)، بما في ذلك تكلفة الدراجة الهوائية.

يعمل مشروع دي-نت وفق نموذج منح الامتيازات، فتشتري كل شابة في برنامج إنفوليدي معداتها من مركزٍ محلي حاصل على الامتياز. وتقول لورا محي الدين أنّ هذه المراكز المحلية تدار حتى الآن من قبل منظمات غير حكومية، ما تسبب في إبطاء البرنامج؛ بسبب تردد المؤسسات غير الربحية في قبول نهج الأعمال التجارية الاجتماعية وفي دفع رسوم الامتياز. ويأمل برنامج إنفوليدي في الحصول على دعم المؤسسات الاجتماعية الربحية الأخرى، لإقناعها بالاستثمار في البرنامج والمساعدة في توسيع نطاقه.

إن تطبيق البرنامج على نطاقٍ أوسع يتيح تقديم خدمات نوعية لعدد أكبر من المجتمعات الريفية. بوجود 50 سيدة حالياَ، يغطي برنامج إنفوليدي 300 قرية، ما ترك أثراً إيجابياً على حياة أكثر من 300,000 شخص في الريف البنغالي.

ويأمل مشروع دي-نت أن يصبح لديه ثلاث سيدات معلومات في المتوسط لكل منطقة صغيرة في جميع أنحاء بنغلاديش مع نهاية العام 2016، أي ما مجموعه نحو 13,500 سيدة.

ترى خاتون أن جهودها قد تركت أثراً إيجابياً ملموساً على صحة المجتمعات التي تعمل فيها. ومن الأمثلة التي تؤكد على ذلك، تذكر خاتون أنه عندما استيقظت إحدى القرويات في منتصف الليل بسبب آلام الحمل ومضاعفاته، كانت خاتون أول شخص تتصل به تلك المرأة. فساعدتها خاتون على التواصل مع الطبيب من خلال الخدمة الصحية المتنقلة التي سبق أن حمّلتها على الهاتف المحمول لتلك المرأة. تقول خاتون: "اليوم، كلما رأيت ذلك الطفل، يمتلئ قلبي بهجة وسروراً". – PA