في صباح يوم دافئ من شهر أبريل، دخل رجل الأعمال الإندونيسي الشهير طاهر قاعة الاجتماعات في أحد فنادق أبوظبي، ليخطو عبرها إلى نادي الكبار في العمل الإنساني. ولم تمض سوى دقائق معدودة حتى ظهر الرجل الذي بلغ الواحد والستّين من عمره برفقة الشريك المؤسس لمايكروسوفت، بيل غيتس، ليوقع بهدوء اتفاقية للتخلّي عن 100 مليون دولار من ثروته لصالح أعمال الخير أمام ومضات الكاميرات وأصواتها الخافتة. وفي المقابل، قدّمت مؤسسة بيل وميليندا غيتس مبلغاً مماثلاً، على أن يُخصص المبلغ الإجمالي لمعالجة بعض أكثر المشاكل الصحية المستعصية التي تعاني منها إندونيسيا. وكما أبلغ طاهر جمعاً من الصحافيين المتابعين، كانت تلك اللحظة "بداية جديدة".
لكن الجديد، بكل تأكيد، لم يكن سخاء طاهر، فهذا الرجل العصامي الذي بنى إمبراطورية من الأعمال والمصالح تشمل الخدمات المصرفية وتجارة التجزئة والرعاية الصحية والإعلام وغيرها، لم يكن يوماً ليتردد في العطاء. وخلال مسيرته التي أوصلته إلى مصاف أثرى الأثرياء في بلاده، بثروة تعادل ملياري دولار وفق مجلة فوربس، كان قد أنفق ملايين الدولارات على الأعمال الخيرية من خلال "مؤسسة طاهر". فقد قدّم المال للطلاب المحتاجين، وللجامعات في إندونيسيا وسنغافورة والصين والولايات المتحدة، كما بدأ في العام 2012 بالمساهمة في تمويل البحوث الطبية. كان طاهر خلال ذلك ينفق في الخفاء، بعيداً عن الأضواء وضجة الإعلام، ويؤثر الصمت عندما يدفع الفواتير الطبية للأسر الفقيرة، أو يموّل المنح الدراسية للطلاب الطموحين. ونادراً ما وجدت تبرعاته طريقها إلى عناوين الأخبار، حتى أن مؤسسته الخيرية التي تعتبر من أكبر المؤسسات في إندونيسيا، لا تملك موقعاً على شبكة الإنترنت.
إلا أن الشراكة مع مؤسسة غيتس كانت بداية مرحلة جديدة ومختلفة، فقد جعلته أول متبرع إندونيسي بارز يرتبط مع هذه المؤسسة الخيرية العملاقة، كما أنبأت بتحوّله إلى سياسة العمل الخيري العلني ذي الطابع الاستراتيجي.
كان طاهر ذاك اليوم يرتدي بزّة رسمية داكنة اللون مع ربطة عنق عندما اعترف، قائلاً: "أمامي الكثير لأتعلمه … ففي إندونيسيا، نضطلع بالعمل الخيري بشكل فردي ومباشر أكثر. أما مؤسسة غيتس فتتبع نهجاً أوسع، إذ أنها تسعى لتحقيق أكبر وأعمق أثرٍ ممكن لما تمنحه من أموال. لقد أُنعمت بما يكفي من الثروة لأفعل الكثير من الخير، لكن هذه فرصة مميزة بالنسبة لنا".
ومن المقرر أنّ يتم إنفاق الهبة الإجمالية البالغة 200 مليون دولار، والتي تعهدت بتقديمها مؤسسة طاهر ومؤسسة غيتس، على مدى خمس سنوات في خمسة مجالات عالية الأهمية في الصحة العامة. فقد خُصص أول 50 مليون دولار لصالح الجهود العالمية للقضاء على مرض شلل الأطفال، وهو الوباء الفيروسي المقعد الذي تفشى في السابق في 125 بلداً، لكن انتشاره الآن يقتصر على ثلاثة بلدان فقط بفضل حملاتٍ صحية هائلة. وخُصص أيضاً مبلغ 130 مليون دولار لمكافحة أمراض الإيدز والملاريا والسلّ في بلده الأمّ، إندونيسيا، بالإضافة إلى 26.5 مليون دولار لتوفير متطلبات تنظيم الأسرة في إندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا.
ويمتاز هذا الأسلوب في العمل الخيري بأفق واسع يتجاوز المنافع المباشرة إلى الأسباب التي تعوق مسيرة المجتمعات نحو حياة أفضل، فهو يتصدى للأمراض التي تنشر الفقر وتثقل كاهل التنمية الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، يبشّر برنامج تنظيم الأسرة وحده بعوائد جمّة، فمقابل كل دولار يُنفق على وسائل منع الحمل، يمكن للدول توفير ما يصل إلى ستة دولارات من خدمات المياه والصحة والسكن والاحتياجات الضرورية الأخرى للسكان.
ويدرك طاهر تماماً حجم العمل المطلوب في بلاده، فيقول: "لدينا الكثير من التحديات في إندونيسيا، ويجب أن ترتقي الأعمال الخيرية إلى مستوى الاحتياجات … أريد رؤية الناس وهم يرفلون بالصحة، ويرفعون مستواهم التعليمي، ويجدون فرص العمل لإعالة أسرهم. هناك مثل صيني يقول 'الجياع كثر، لكن القِدر صغير'. ولهذا فإننا بحاجة لتحقيق أفضل العائدات مقابل التبرعات التي نقدمها".