تؤمن أوليفيا ليلاند بمبدأ أن القوة في العدد، وأن أثر العمل الجماعي هو أعظم بكثير من مجموع أثر كل جزء من أجزائه على حدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل الخيري التعاوني. ليلاند هي المدير المؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة 'كو- إمباكت' (Co-Impact)، وهي من أولى المبادرات العالمية التي تبنت التوجه المتنامي القائم، ليس فقط على ضم القدرات المالية للمانحين، بل بناء شراكات تعمل على تنمية المعرفة وتبادل الخبرات. يهدف هذا النموذج إلى الدفع بالتغيير في النظم القائمة، إذ تسعى 'كو- إمباكت' إلى رفع مستوى التعليم والصحة وتحسين الفرص الاقتصادية لملايين البشر في أفريقيا وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وقد يصل إرثها وتقاليد عملها مستقبلاً إلى مناطق ومجالات أوسع من ذلك. ترى ليلاند، التي أسست أيضاً المبادرة البارزة 'التعهد بالعطاء'، أن 'كو- إمباكت' تمتلك إمكانية وضع حجر الأساس لمنهج جديد في العمل الخيري العالمي المرتكز على النتائج. في الحوار التالي تجيب ليلاند على أسئلتنا وتفصح عن رأيها في مختلف جوانب العطاء.
س. هل يمكنك أن تخبرينا كيف تطورت فكرة 'كو- إمباكت' وعن رحلتك نحو بناء العمل الخيري التعاوني؟
في الواقع قضيت حياتي المهنية بالكامل في القطاع الاجتماعي، حيث تركّز عملي بشكل أساسي على كيفية تعزيز العمل الخيري وزيادة تأثيره في العالم. بدأت مبادرة 'التعهد بالعطاء' (The Giving Pledge) كمذكرة لا تتعدى نصف صفحة، ثم استغرق الأمر عاماً ونصف لبنائها بشكل فعلي وإطلاقها كمبادرة.
من الأسئلة التي نتجت عن ذلك البحث هو: بعد أن يلتزم الناس بالعطاء للأعمال الخيرية، ما الذي يتوجب علينا أن نفعله لزيادة أثر ذلك العطاء؟ كان اهتمامي ينصب على مرحلة ما بعد الالتزام، إلى جانب تحديد البنية التحتية اللازمة لدعم تلك المرحلة.
حصلت على تمويل من قبل اثنين من المانحين الذين التزموا بـ 'التعهد بالعطاء'، لأتابع بحثي. وقضيت عاماً قرأت خلاله كل ما استطعت من المقالات والأبحاث ذات الصلة لفهم ما يمكن فعله من أمور إضافية للدفع بالعطاء المؤثر، إلى جانب مقابلات عديدة أجريتها للاطلاع على آراء الآخرين في هذا المجال. ومن ثم انبثقت فكرة 'كو- إمباكت' من هذا المخاض الطويل. ما استنتجناه من تجربة 'التعهد بالعطاء' هو أننا من خلال التعلم من رواد العطاء البارزين الآخرين ومن خلال الاستناد على تجاربهم، يمكننا ترجمة نشاطنا إلى نتائج عملية تؤثر على حياة الملايين من الناس.
س. ما هي نتائج بحثك التي أسهمت في تشكيل طريقة تفكيرك؟
لقد أجريت مئات المحادثات مع قادة منظمات غير ربحية وشخصيات حكومية ورواد عطاء من كل أنحاء العالم. بعض النقاط التي استندنا إليها كانت أن رواد العطاء الأفراد وأصحاب المؤسسات الخيرية العائلية الصغيرة يجدون صعوبة في تحديد الفرص وتطويرها ودعمها. قال لي أحدهم: "أود أن أتوصل إلى طريقة يمكنني من خلالها تحرير شيك مصرفي كبير، لكنني لا أعرف متى أو لمن يمكنني القيام بذلك، على الرغم من أن لدي فريق عمل من أربعة أشخاص".
من ناحية أخرى، عندما سألت قادة المنظمات غير الربحية عما يرغبون في رؤيته من رواد العطاء، كان جوابهم: التمويل على المدى الطويل والحصول على الدعم الذي يتجاوز الموارد المالية. في هذا الخصوص قال معظم الذين تحدثت إليهم - حتى أولئك الذين يتبنون نماذج مجربة ومؤثرة – أنهم لا يستطيعون مساعدة سوى ما نسبته واحد أو اثنين بالمئة من الناس الذين شعروا أنهم قادرون على مساعدتهم. لذا أصبح السؤال: كيف يمكننا أن نركّز ونوجه جهودنا لنضمن أن ترتقي ريادة العطاء لتكون في وضع أفضل يمكّنها من دعم التغيير على نطاق واسع؟
س. كيف يطمح النموذج الذي تقدمه 'كو- إمباكت' إلى الإجابة عن هذه الأسئلة؟
إن التصور الذي تطرحه منظمة 'كو- إمباكت' يقوم أولاً على مساعدة ملايين الأشخاص في البلدان المتدنية والمتوسطة الدخل، وذلك من خلال دعم المبادرات التي أثبتت جدواها في مجالات الصحة والتعليم والفرص الاقتصادية. ثانياً، يهدف نموذجنا إلى إنشاء مجتمع عالمي من رواد العطاء وقادة التغيير الاجتماعي والحكومات والشركات وغيرهم ممن يهدفون إلى إحداث التغيير في الأنظمة القائمة. فنحن نهدف في المحصلة إلى جمع الفاعلين حول هدف مشترك.
س. وكيف تكون المشاركة؟
هناك ثلاث طرق يمكن لرواد العطاء أن يشاركوا بها معنا، الطريقة الأولى: يضع الشركاء الأساسيون ما بين 25 و50 مليون دولار على مدى 10 سنوات في الصندوق المشترك، كما لهم أن يختاروا الفرص التي ندعمها ويقدموا المشورة بشأن استراتيجيتنا. الطريقة الثانية هي من خلال الانضمام إلى المستثمرين المشاركين، وهؤلاء يدعمون فرص عمل الخير الفردية وتكون التزاماتهم المالية أصغر - يمكن لهؤلاء أن يكونوا رواد عطاء أو مؤسسات إنسانية ثنائية أو متعددة الأطراف أو غيرهم من المانحين. أما الطريقة الثالثة فهي المشاركة في مجتمع 'كو- إمباكت' الذي يتشكل من مجموعة واسعة من الممولين من جميع أنحاء العالم، يلتزم كل واحد منهم بمبالغ ما بين 250,000 و750,000 دولار سنوياً لدورة مدتها ثلاث سنوات، كما أنهم يصوتون على المبادرات التي ندعمها. تميل هذه المجموعة إلى التركيز على الجانب التعليمي والانخراط فيه أيضاً من خلال ندواتنا عبر الأنترنت ورحلاتنا التعليمية.
لقد تعمدنا أن تكون 'كو- إمباكت' منصة مرنة، واضعين في الاعتبار أن العمل الخيري غالباً ما يكون طابعه شخصياً للغاية وأن الناس ينضمون إلينا بحثاً عن أشياء محددة ومختلفة. كما أن مشاركة الآخرين على مائدة الحوار أمر مفيد جداً من جهة معرفة ما بوسع كل واحد منا أن يقدمه لهذه المنصة. وفي النهاية، من المهم جداً أن يكون لدينا امتداد عالمي.
أما بالنسبة لشركائنا على الجانب الآخر من البرنامج، أي المستفيدين من المنح، فنحن نتطلع دائماً إلى دعم المبادرات التي تؤدي إلى تغيير في النظم.
س. انطلقت 'كو- إمباكت' وهي تضم قائمة رائعة من الشركاء تشمل جيف سكول ومؤسسة روكفلر والعديد غيرهم، فضلاً عن خطة تمويل تبلغ قيمتها 500 مليون دولار. لماذا لقي إطلاق مبادرتكم صدىً قوياً لدى رواد العطاء؟
أعتقد أن هناك جانبين فيما يخص هذا الموضوع: يمتلك العمل الخيري بحد ذاته إمكانات هائلة، لكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك أنه غير قادر على فعل كل شيء. يرى شركاؤنا قيمة كبيرة في انضمامهم معاً لزيادة أثر العطاء في العالم ويدركون تماماً أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأعمال الخيرية التعاونية في تحقيق ذلك. إنه نموذج يسمح بمواصلة الجهود على نطاق أوسع وعلى المدى الطويل - كما يتيح لهم فرصة التعلم من بعضهم البعض. أعتقد أن هناك رغبة حقيقية في ذلك. بدأنا نرى أعضاء مجتمعنا يخرجون ويتحدثون مع أقرانهم حول تثمينهم لدورهم وكونهم جزءاً من 'كو- إمباكت'، وكيف يساعدهم ذلك، وقد بدؤوا بنشر مفهوم العمل الخيري التعاوني أينما ذهبوا. يسعدنا حقاً أن نرى مجتمع 'كو- إمباكت' يواصل نموه بهذه الطريقة.