كيف ساهمت تلك الأجندة في تشكيل نموذج عمل معمل عبد اللطيف جميل؟
فاهي: يتضح هذا في بعض الخصائص التي تميزنا عن باقي المنظمات. أولها، والأهم على الإطلاق، هو استخدامنا للتقييمات العشوائية لاختبار فعالية البرامج أو السياسات. وثانيها هو شبكتنا العالمية من أساتذة الجامعات المنتسبين، والتي تضم بعض أبرز الاقتصاديين المختصين في شؤون التنمية والباحثين في العلوم السياسية الذين ينتمون إلى ما يزيد عن 50 جامعة.
يشارك اليوم في الشبكة أكثر من 200 أستاذ جامعي من مختلف الخلفيات والمناطق الجغرافية والاهتمامات الأكاديمية – لكن ما يتشاركون به هو استخدامهم للتقييمات العشوائية كوسيلة لفهم الأثر. لذا، وإن كان المعمل قد تأسس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فهو بحكم نموذج عمله يستمد معلوماته وبعده الفكري عالمياً بفضل شبكة المنتسبين إليه. وهذا أمر بالغ الأهمية لأننا كي ندرك مواضيع السياسات الأبرز في منطقة ما من العالم، وطبيعة الحلول الملائمة لها، نحن بحاجة إلى أن نستند إلى قاعدة فكرية محلية قوية. وإنجازنا لمهامنا يتطلب منا حضوراً محلياً ومصداقية محلية وعلاقاتٍ محلية.
وتعزيزاً لهذا الحضور افتتح معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر سلسلة من المكاتب الإقليمية في جامعات مضيفة. يعمل كل واحد من هذه المكاتب على تسهيل الأبحاث، كلٌّ في منطقته، كما يعمل على ربط صانعي السياسات في الحكومات مع الباحثين في شبكتنا لتحديد الجوانب التي ينبغي النظر فيها، ثم الخروج بمجموعة أسئلة تتشارك الأطراف المعنية سوياً بإيجاد أجوبة لها. واليوم لدينا أكثر من 400 شخص في سبعة مكاتب إقليمية حول العالم بالإضافة إلى المكتب الرئيسي في معهد ماساتشوستس، ما وفر لنا دفعاً قوياً في عملنا سواء من جانب الباحثين أو الشركاء العديدين الذين نعمل معهم.
ما هي الجهات التي عادة ما تتشاركون معها خلال عملكم؟
فاهي: نعمل بشكل أساسي مع الحكومات، إذ تشكل الدوائر الحكومية الجهات المنفذة لما يقارب نصف الدراسات التي نعدها. كما نعمل أيضاً مع المنظمات غير الحكومية، والمنظمات غير الربحية، والمؤسسات الخيرية. يمكن القول بأن شركاءنا بشكل عام هم أشخاص يمتلكون الصلاحيات ذات الصلة ومكلفون بتصميم وإعداد البرامج الخاصة بالحد من الفقر، وهم على دراية تامة بالمشكلة التي يحاولون إيجاد حل لها. كما أنهم غالباً ما يكونون أنفسهم مصدراً للأفكار المبتكرة والمثيرة للاهتمام حول الحل المحتمل الأمثل.
كيف تضمنون أن تتم ترجمة نتائج الأبحاث وتوصياتها إلى سياسات؟
فاهي: لا شك أن الأبحاث الأكاديمية الراقية رائعة، لكن فوائدها محدودة إذا انحصر تداولها ضمن الأوساط الأكاديمية. نحن نحرص أن نركز على الأبحاث التي تستهدف الفجوات في المعرفة العملية والتي تسعى للإجابة على الأسئلة التي تهم صانعي السياسات بالدرجة الأولى. وعند اكتمال هذه الأبحاث، نعمل على تغذية عملية صنع السياسات بالمعرفة والبيانات التي تم استنتاجها من تلك الأبحاث. تسعى مكاتبنا الإقليمية بدورها إلى تعزيز هذه الشراكات القوية وخلق مسار لتبادل الأدلة والبراهين المطلوبة.
كما يساهم التدريب الذي نقدمه في تحقيق هدفنا المتمثل في اعتماد المعنيين على نتائج أبحاثنا، ونشر ثقافة الاستناد إلى الأدلة والبراهين في تشكيل السياسات. نحن نمضي وقتاً طويلاً بالعمل مع صانعي السياسات والمانحين لبناء قدراتهم على توليد الأدلة واستخدامها في أعمالهم. من جهة أخرى، يهمنا كثيراً أن نعمل مع الباحثين في المنطقة. تساهم كل هذه الأمور في تعزيز بيئة تشجع على التفكير في مسألة الفعالية.
هل يمكنك مشاركتنا بمثال عملي عن عملكم هذا؟
فاهي: لننظر، على سبيل المثال، في الأهداف الإنمائية للألفية. أحد هذه الأهداف نادى بضرورة زيادة نسبة حضور الطلاب في المدارس حول العالم، وكان التقدم في تحقيق هذا الهدف حقاً ملفتاً للنظر، إلا أنه قد تم الكشف عن تحدٍ آخر. ففي الوقت الذي كان فيه الطلاب حاضرين في مقاعد الدراسة، كشفت تقييمات تم إعدادها على المستويين الوطني والدولي عن أدلة تثبت أن الطلاب لم يكونوا بالضرورة يتعلمون شيئاً. والسؤال الذي طرح نفسه حينها هو: بعد أن تحقق الهدف المتمثل بحضور الطلاب إلى المدرسة، كيف نضمن أنهم سيتلقون بالفعل التعليم؟
أحد أوائل التقييمات التي أجراها أساتذة جامعيون منتسبون لمعمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر كانت بالشراكة مع واحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية الهندية التي تعنى بالتربية والتعليم، تدعى 'براتام'. كانت هذه المنظمة قد كشفت عن تحدٍ واجه المعلمين في المدارس، وهو: كيف يمكن للمعلم أن يعلم صفاً دراسياً يضم أطفالاً يتعلمون بنسبٍ متفاوتة؟ أو كيف يمكنك تعليم الطلاب المواظبين على اللحاق بالمنهاج الدراسي وفي الوقت نفسه تساعد أولئك المتأخرين بالدراسة؟
باشر الأساتذة بتصميم دراسة تقييمية سريعة تهدف إلى فهم مستوى تعلم القراءة والكتابة والمهارات الرقمية لدى مختلف الطلاب. ظهرت روح الابتكار الحقيقية في الخطوة التالية، المتمثلة في تقسيم الطلاب خلال فترة محددة من النهار إلى مجموعات وفق مستوى تعلمهم وليس أعمارهم، ثم تعليمهم بمواد تتناسب مع المستوى المحدد لكل مجموعة قبل أن يعودوا جميعاً إلى ذات الصف الدراسي الاعتيادي. استمر الباحثون بهذا النهج إلى أن لاحظوا بعد فترة من الزمن أن الطلاب المتخلفين في دراستهم قد أحرزوا تقدماً كبيراً في مهارات القراءة والحساب، ما جعلهم يقاربون كثيراً مستوى صفهم النظامي.
تم تنقيح هذه النُهج وتحسينها لكي تصبح بالنهاية برنامجاً تجريبياً تم توسيع نطاقه ليطبق في المدارس الحكومية والبرامج التربوية التي تقدمها المنظمات غير الحكومية. واليوم يستفيد أكثر من 60 مليون طالب في الهند من البرنامج الذي تمت تسميته بنهج "التعلم وفق المستوى الصحيح"، وقد تم تبنيه بالكامل من قبل الجهات التربوية الحكومية.
أطلق معمل عبد اللطيف جميل مؤخراً مكتبه الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجامعة الأميركية بالقاهرة. ما هي بعض الفرص التي تتطلعون إليها لإضافة القيمة في المنطقة؟
فاهي: التزم معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر منذ زمن طويل بالعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد قام منتسبونا بإجراء أبحاثهم هنا منذ عام 2007، وكانت هناك رغبة منذ زمن بافتتاح هذا المكتب. وما نركز عليه هنا هو المجالات الأكثر أهمية لمعظم صانعي السياسات، والتي تشمل تنمية فرص العمل والقطاع الخاص؛ والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة؛ والقضايا الإنسانية وتغير المناخ. نحن نعتقد أن نهجنا قادر حقاً على إضافة القيمة في هذه المجالات، وردم الثغرات القائمة في مجال الأدلة والبراهين.
على مستوى العالم، أنجز المنتسبون لمعمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر ما يزيد عن 1,000 دراسة تقييم أثر لبرامج اجتماعية شتى، ولا تزيد نسبة الدراسات منها التي تمت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن 3 بالمئة فقط. إن إيجاد الحلول الصالحة للمنطقة يتطلب أبحاثاً يتم إعدادها محلياً. لذا، هناك فرص رائعة أمامنا لنقيم شراكات مع المنظمات هنا، وأن نختبر ونتعرف سوياً على الأثر التي تتركه أعمالهم.