اللاجئون هم مؤشر دقيق للصراعات، فمع ازدياد حدة الحروب وأعمال العنف والاضطهاد واتساعها حول العالم تتضخم أعداد اللاجئين. ويكفي أن نعلم أنه وفق آخر إحصائية، تجاوز عدد الأشخاص الذين اضطروا للنزوح من بيوتهم في مختلف أنحاء العالم الـ 51 مليون ـ ما يشكل حشوداً كبيرة من اللاجئين والنازحين وطالبي اللجوء تناهز تعداد سكان بلدٍ من حجم جنوب أفريقيا.
وأصبح هؤلاء الناس يتنقلون كالبدو الرحّل هائمين على وجوههم، قاطعين الحدود بين الدول في مسعاهم لإيجاد مأوى، بينما تنمو أعدادهم في كل لحظة وثانية. ففي عام 2013، كان نحو 32,200 شخص يهجرون بيوتهم كل يوم بحثاً عن الأمان، وكان نصفهم من الأطفال.
لا يخفي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أنطونيو غوتيريس قلقه الكبير إزاء ما يجري، إذ يقول: "السلام اليوم هو في حالة خطرة من الشح ... نحن نشهد الكلفة الضخمة لحروب لا تنتهي وللفشل الذريع في حل النزاعات أو منعها".
كان غوتيريس يحدثنا في غرفة صغيرة على جانب أعمال مؤتمر تدعمه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشارقة. ويأمل المؤتمر الذي عقد تحت رعاية الملكة رانيا العبد الله، ملكة الأردن، أن يسلّط الضوء على الأعداد المتنامية من اللاجئين الأطفال في الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال طغت سوريا التي بات اسمها مقترن بالعنف والفوضى على أعمال المؤتمر. فحملة سفك الدماء التي دامت ثلاث سنوات من دون انقطاع قد أسفرت حتى الآن عن أكثر من 200,000 قتيل، وتسببت في تهجير للناس بمعدل لم يسبق له مثيل في أي صراع آخر خلال العقدين المنصرمين. وتردد صدى الأزمة السورية في كل أنحاء المنطقة، ولا تزال تبعاتها تنعكس سلباً على الدول المجاورة وهي مستمرة بالتفاقم في كل من العراق ولبنان والأردن ومصر، من دون أي أمل بالانحسار.
ويعلّق غوتيريس بقوله: "إنها حرب الجميع فيها خاسر؛ وليس فيها من منتصر ... لقد أصبحت أسوأ أزمة إنسانية على مدى العقد الماضي. وهي لا تمثل تهديداً كارثياً على استقرار المنطقة فحسب، بل هي تهديد مباشر للسلم والأمن العالميين. لا بد من إنهاء الأزمة، لا محالة".
ولا ينصب اهتمام غوتيريس، الذي يرأس وكالة الأمم المتحدة للاجئين، على تفاقم المعاناة الإنسانية فحسب، بل على آثار الأزمة بعد انتهائها، فمنظمته هي الملاذ الأخير لبعض الناس الأكثر عرضة للمصاعب في العالم.
تمثل المفوضية شبكة أمان للاجئين بتوفيرها المساعدات الطارئة والحماية لهم، كما تبذل جهوداً أكثر من السابق للحفاظ على حقهم في اللجوء إلى دول أخرى رغم ازدياد التضييق عليهم على الحدود.
رسمياً، ينطوي تحت جناح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 11.7 مليون شخص من ضحايا النزاعات، لكن في الواقع يندرج في لوائحها الملايين غيرهم المحاصرون بشكل بائس في مناطق نزاع مسلح، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يفتقدون الجنسية والذين درجت تسميتهم بـ "الأشباح القانونيين"، إذ يعيشون على هامش المجتمع لعدم امتلاكهم لوثائق سفر.
وخلف هذه الإحصاءات هناك مآسٍ لا تحصى على مستوى الأفراد ـ من ضحايا زواج الأطفال في أفغانستان إلى سكان القرى في نيجيريا الذين يهجرون بيوتهم هرباً من المتطرفين الإسلاميين، وغيرها. تنضم أعداد جديدة يومياً تحت راية المفوضية السامية لدرجة استُهلكت فيها قدرة الوكالة على تقديم الرعاية إلى أقصاها، سواء كان ذلك على صعيد الموارد البشرية أو التمويلية، فأعداد الضحايا لا تصدق وهي مستمرة في التصاعد.
ويقول غوتيريس بكل صراحة: "أعتقد أن تعدد الأزمات وانتشارها في كل مكان، وضخامة الأزمة السورية قد بينت بوضوح أن مجتمع العطاء الإنساني في العالم بشكله الحالي أصبح غير قادرٍ على تلبية الاحتياجات ومواجهة التحديات" مضيفاً أنه على الرغم من "أنني حقيقةً مقتنع بأننا نعمل أفضل ما لدينا ونبذل كل ما بوسعنا، إلا أنه من البديهي أن ما نفعله غير كافٍ".