كانت حرائق الغابات التي اجتاحت أستراليا في عامي 2019 و2020 شرسة لدرجة يصعب فهمها. وبحلول نهاية شهر مارس، كانت قد أجهزت على أكثر من 72,000 ميل مربع من الأراضي، وأحرقت ما لا يقل عن 3,500 منزل، وتسببت في نفوق أكثر من مليار حيوان ودفعت ببعض الأنواع الحيوية إلى حافة الانقراض.
وقد أثار حجم الحرائق – الذي يعتبره الكثيرون مؤشراً أولياً لما سيحدث عند ارتفاع درجات الحرارة على الصعيد العالمي - تدفقاً عالمياً من الكرم والسخاء. وقامت مجموعة من المشاهير والشركات والأفراد بالتعهد بنحو 500 مليون دولار على شكل تبرعات لخدمات الإطفاء والمنظمات غير الربحية في البلاد.
وفي فبراير عام 2020، أعلن بيل غيتس أن المناخ سيصبح أولوية بالنسبة لمؤسسته وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، عن دخوله مضمار العمل الخيري بصندوق قيمته 10 مليارات دولار للتصدي للتحديات المتعلقة بالمناخ.
وعلى الرغم من أهمية هذه الأخبار، إلا أنه بعيداً عنها، تبقى قضية المناخ خارج جدول أعمال العديد من رواد العطاء والمحسنين، إذ لا تجذب سوى جزء صغير جداً من التمويل والتزامات المانحين. بل تطغى على قضية الاحتباس الحراري في الغالب الأزمات البيئية التي تحظى بتغطية إعلامية أفضل كحماية المحيطات أو تحسين جودة الهواء - وهي جميعاً قضايا مرتبطة بها ولكنها لا تتداخل معها.
وفي عام 2015، جاء 0.1 بالمئة فقط من التمويل الذي تم تقديمه على مستوى العالم للتصدي لقضايا المناخ من الأعمال الخيرية. وفي العام نفسه، قدم أعضاء جمعية مقدمي المنح البيئية - وهي مجموعة من رواد العطاء والمؤسسات الرائدة التي تركز على حماية البيئة - منحاً بلغ مجموعها 1.54 مليار دولار. مع ذلك، لم يتم تخصيص سوى 142 مليون دولار من تلك الأموال للإجراءات المتعلقة بالمناخ.
وقبل وقت قصير، أفادت دراسة أجرتها مؤسسة ’كلايمت وركس‘ ClimateWorks، التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، أن أقل من 2 بالمئة من التمويل الخيري العالمي الذي تم تقديمه في عام 2019 والبالغ 730 مليار دولار قد تم توجيهه نحو التخفيف من آثار تغير المناخ.
وعلى الرغم من أن المجتمع المدني قد كثّف جهود الدعوة والمناصرة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التبرعات الخيرية لم تسر على نفس المنوال. فعلى سبيل المثال، يوجه الأمريكيون 3 بالمئة فقط من تبرعاتهم للقضايا البيئية، وهو ما يعني أنهم يتبرعون بنسب أقل لقضية المناخ بمفردها.
ويتعارض هذا العجز بشكل كبير مع حجم التمويل اللازم للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وخفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر والبالغ نحو 50 تريليون دولار. فالاستثمار العالمي الذي تم تحديده في تقرير صدر في أكتوبر عن مؤسسة ’مورغان ستانلي‘ (Morgan Stanley) يتطلب توفير التمويل لتقنيات الطاقة المتجددة والوقود الحيوي وغيرها حتى عام 2050، وذلك من أجل إزالة ما يعادل 53.5 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
وبالإضافة إلى العواقب الاجتماعية والبيئية للإخفاق في التصدي لتغير المناخ، أشار التقرير إلى أن ارتفاع درجة الحرارة إلى ما يزيد عن درجتين مئويتين – وهو الحاجز المنصوص عليه في اتفاقية باريس - قد يؤدي إلى خسارة ما بين 10 إلى 20 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2100.
خارج دائرة الاهتمام
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا توجد هذه فجوة بين ما تتسم به قضية المناخ من أهمية ملحّة وضعف استجابة المانحين لها؟
يرجع ذلك جزئياً إلى أن الكثيرين منا يفضلون تقديم المنح والهبات لقضايا يمكنهم لمس نتائج عطائهم لها. فالطبيعة المعقدة والمتغيرة لتغير المناخ تتطلب مزيداً من التفكر والدراسة من قبل المانحين مقارنة بقضايا أخرى يسهُل فهمها، كتقديم المساعدة لضحايا كارثة طبيعية.
كما غالباً ما يكون الدافع وراء تقديم التبرعات هو الشفقة والتعاطف مع المتضررين - في حين يُنظر إلى تغير المناخ في كثير من الأحيان على أنه تهديد بعيد من دون ضحايا مباشرين في الوقت الحالي. ويُلاحظ هذا التناقض أيضاً لدى الدول التي تتخذ مبادرات قوية لتقليل انبعاثات الكربون بينما تواصل في الوقت ذاته تصدير المواد الهيدروكربونية التي تشكل جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي.
تترك هذه اللامبالاة تأثيراً سلبياً هائلاً. فأزمة المناخ تشكل خطراً شديداً على كوكبنا قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وجعل أنماط الطقس أكثر شدة وقسوة، مما سيلحق الضرر بأفقر المجتمعات وأكثرها ضعفاً. وفي ظل هذه التهديدات من حرائق الغابات المستعرة إلى الجفاف والفيضانات وندرة الغذاء والمياه والهجرة البشرية الجماعية تصبح الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جريئة ومتضافرة وفعّالة بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري أمراً ملحّاً.