الاستثمار في الأطفال

يتحدث بول رونالدز، وهو الرئيس التنفيذي للمشاريع العالمية لمنظمة إنقاذ الأطفال، حول سبب حاجتنا إلى إعادة التفكير في كيفية تمويل المشاريع للشباب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

في ركن ريفي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإن الموظفون بمدرسة قروية صغيرة في حالة من المعانة المزمنة. إذ الرواتب متأخرة والمواد التعليمية ناقصة وغير متوفرة. وفي الوقت نفسه، فإن مبنى المدرسة في حالة من الانهيار الفعلي، مما يوفر للطلاب الضئيل من الراحة في ظل ظروف قاسية وناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.

وترغب المدرسة في بناء فصول دراسية جديدة تتكيف بشكل أفضل مع المناخ المتغير. كما ترغب في تركيب خزانات مياه الأمطار والألواح الشمسية لتحسين الوصول إلى المياه، وخفض تكاليف الطاقة، وتحسين الوصول إلى طاقة موثوق بها. ولكن ليس هناك مال لكل هذه الرغبات.

ولن ينظر البنك المحلي في منح المدرسة قرضاً، وهذا بينما يصعب الحصول على الدعم الخارجي، حيث إن أقل من خمس المساعدات والأعمال الخيرية البالغة 19.8 مليار دولار أمريكي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تستهدف القطاعات التي تركز على الأطفال (والتي تشكل المدارس أحد مكوناتها فقط).

وعملية إصلاح المباني المدرسية ليس بمجرد أمر سطحي.  فإن دراسة حديثة للبنك الدولي وجدت بأن أكثر من 210 ملايين طفل قد فقدوا أيام تدريس في أبريل ومايو من هذا العام بسبب إغلاق المدارس المرتبط بالحرارة الشديدة.

وعلاوة على ذلك، فإن هناك الأطفال الذين لا يذهبون حتى إلى المدرسة. وتشهد أفريقيا جنوب الصحراء أعلى معدلات الاستبعاد من التعليم في العالم – حيث أكثر من 20 في المئة من الأطفال في سن التعليم الابتدائي وحوالي 60 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما غير ملتحقين بالمدارس.

ومن المتوقع أن يصل عجز ونقص التمويل في قطاع التعليم بأفريقيا إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2025. وإلى جانب التعليم، فإن احتياجات الأطفال الأخرى غير المجابة هي بلا شك مأساوية.

وتبلغ فجوة التمويل السنوية بين ما هو مطلوب لحل التحديات العالمية التي تواجه الأطفال – بدءا من أزمات المناخ والمياه والغذاء إلى الصراع والعنف وعدم المساواة – حوالي 4.2 تريليون دولار أمريكي.

ولا تستطيع المنح الحكومية والعمل الخيري حالياً – كما لا يمكنها في المستقبل – حتى البدء في سد هذه الفجوة. وإذا كنا جادين في تلبية احتياجات الأطفال، فإنه يجب علينا أن نحشد استثمارات كبيرة من القطاع الخاص.

image title
يؤتي الاستثمار في بناء مستقبل واعد الأطفال، ثماره على المدى الطويل. الصورة: شترستوك.

ولكن ماذا لو استطعنا أن نخلق استثمار بمنظور وعدسة طفل – أي إطاراً يمكن من خلاله لحافظة مالية أن تسعى على حد سواء في تحقيق العوائد وتحسين حياة الأطفال عمداً؟

وماذا لو استطعنا أن نشجع توجيه التمويل نحو مدرستنا المذكورة أنفاً ومشروعها المتواضع للبناء والقادر على تغيير الحياة، وكذلك نحو عدد لا يحصى من مدارس أخري مثلها؟

وهذا هو بالضبط ما يحاول أن تقوم به المشاريع العالمية لمنظمة إنقاذ الأطفال عبر صندوقها الجديد الذي يركز على أفريقيا.

ولقد تضافرت جهودنا مع كايزنفست «Kaizenvest»، وهي مستثمر رائد في تنمية رأس المال البشري، لإنشاء صندوق «تمكين الجيل» لتمويل المدارس المجتمعية عن طريق المؤسسات المالية وشركات الرعاية الصحية والتغذية في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ونحن نسعى إلى تمكين الإقراض بالجملة للمؤسسات المالية والبنوك المتوسطة الحجم، شريطة أن توسع دفاتر قروضها لتشمل المدارس ذات الرسوم المنخفضة، ومراكز تنمية الطفولة المبكرة، وغيرها من الخدمات التي تعتبر حاسمة لنمو الأطفال.

ويتطلع الصندوق إلى جمع ما لا يقل عن 50 مليون دولار، وسيكون رائداً في تنفيذ أول استراتيجية استثمارية تركز على الطفل وتستهدف أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. والبلدان التي تركز عليها هي كل من غانا، وكينيا، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، ورواندا، وأوغندا.

ويتبع الاستثمار بمنظور وعدسة الطفل نهجاً شمولياً من خلال مجموعة من الاستثمارات لتحسين التعلم، فضلاً عن الرعاية الصحية، والمياه والصرف الصحي، والتغذية، والقدرة على التكيف مع المناخ، وغيرها.

ويفحص هذا الإطار كل الاستثمارات المحتملة لفهم إذا كان لمنتجات أو خدمات شركة ما تأثير واضح وإيجابي على الأطفال، وإمكانية التوسع، والتزام الشركة بمبادئ الأعمال التجارية لحقوق الطفل.

وننظر أيضاً فيما إذا كانت المنتجات والخدمات مصممة بشكل شامل ومتعمد لتلبية احتياجات الأطفال، وهذا بناء على الأدلة وعلى أبحاث استطلاعات العملاء المباشرة.

وفي مرحلة ما بعد الاستثمار، فإن إطار الاستثمار بمنظور وعدسة الطفل يوفر أيضاً نهجاً يركز على الطفل لقياس الأثر وإدارته، والذي يتمحور حول تعظيم التأثير الكلي على الأطفال.

وإلى جانب تأثير الصندوق نفسه، تأمل منظمة إنقاذ الأطفال في أن يكون الاستخدام الناجح لأداة الاستثمار بمنظور وعدسة الطفل حافزاً للمجتمع المالي لكي يأخذ الأطفال في الاعتبار بشكل أكثر تعمداً في استراتيجياتهم الاستثمارية.

"إذا كنا جادين في تلبية احتياجات الأطفال، فإنه يجب علينا أن نحشد استثمارات كبيرة من القطاع الخاص".

وقد قامت المشاريع العالمية لمنظمة إنقاذ الأطفال بالفعل باستثمارات في مشاريع التعليم والصحة وحماية الطفل التي تتماشى بشكل وثيق مع مهمة منظمة إنقاذ الأطفال وخبراتها.

وقد قدمت المنظمة عبر صناديقها الأخرى رأس مال للمراحل المبكرة إلى الشركات المبتكرة في جميع أنحاء العالم مثل «Instill Education»، وهو تطبيق جوال يغير قواعد اللعبة ويقدم للمعلمين وحدات ذاتية وصغيرة الحجم عبر الإنترنت للمساعدة في مواجهة التحديات في المدارس والفصول الدراسية.

وحتى الآن، انضم حوالي 50,000 معلم بالفعل إلى وحدات التطوير المهني التابعة للتطبيق، مما يوفر مجتمعاً أفريقياِ من الأقران والخبراء الذين يقدمون الدعم والتغذية الراجعة.

وثم هناك «Inquisitive»، وهي شركة تعليمية – ولأعمال SaaS (البرمجيات كخدمة) – مكرسة لتعزيز وصول المعلمين إلى خطط الدروس ذات الجودة العالية، وبالتالي جعل التعليم ذو الجودة العالية أكثر سهولة ومنال، ومنح المعلمين مزيداً من الوقت للتدريس وإعطاء الطلاب تجربة تعليمية هادفة أكثر وأعمق.

على نفس المنوال، تساعد «Zeraki Analytics» المدارس في فهم البيانات الأكاديمية بسرعة. وإنها توفر منصة لإدارة المدارس من أي مكان وبأي جهاز من أجل تتبع حضور الطلاب وأدائهم في الوقت الحقيقي، والتي يمكن مقاسمتها بسهولة مع المسؤولين وأولياء الأمور.

وبما أن «Zeraki Analytics» قد "نشأت محلياً"، فإن حلولها مناسبة بشكل مثالي لسياق الإدارة من أي مكان وبأي جهاز، وكذلك لعرض النطاق الترددي المنخفض في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويتم الآن استخدام «Zeraki Analytics» في أكثر من نصف المدارس الثانوية بكينيا.

وإن التحديات التي تواجه الأطفال اليوم فهي تحديات بالغة. ويجب أن نجد سبلاً لتوليد التمويل اللازم لمنح أطفالنا مستقبلاً واعداً. ويجب أن يكون الاستثمار الذي يركز على الطفل عنصراً حاسماً في هذا التمويل.

ونحن نسعى للحصول على استثمارات من مؤسسات تمويل التنمية، والمستثمرين المؤسسي، والكيانات الخيرية. ومن بين المستثمرين الذين قد التزموا بالفعل فهناك مؤسسة آي دي بي «IDP»، والتي أسستها إيرين دي بريتزكر.  فهل ستكون مؤسساتكم هي التالية؟