إفساح المجال للمرأة الأفغانية

أليسون دافيديان من هيئة الأمم المتحدة للمرأة تتأمل في ثلاث سنوات من حكم طالبان في أفغانستان وسبل دعم الممولين للمرأة.

في رحلة قد قمت بها مؤخراً إلى شمال أفغانستان، فأنني قد سألت النساء اللواتي التقيت بهن عما يرغبن في أن يعرفه العالم عن حياتهن. 

وقالت لي نسيمة وهي إحدى هؤلاء النساء: "تزوجت في سن الـ 16 عاماً. ولم أستطع إنهاء دراستي. وكان أملي أن تكون حياة ابنتي أفضل. والآن أنا قلقة من أن حياتها ستكون أسوأ. وإلى أولئك الذين ما زالوا يستمعون إلى أصواتنا، فإنني أرجوكم أن تساعدوننا في النضال من أجل حريتنا".

ويوافق أغسطس 2024 مرور ثلاث سنوات من استيلاء طالبان على أفغانستان.

وهي ثلاث سنوات من المراسيم والتوجيهات والبيانات التي لا تعد ولا تحصى والتي تستهدف النساء والفتيات – وتجريدهن وسلبهن من حقوقهن الأساسية. وإزالة استقلاليتهم.  

ولوسم هذه الذكرى القاتمة، فلقد نشرنا تقريراً بحثياً جديداً يستند إلى جولات من المشاورات مع آلاف النساء الأفغانيات، وهذا من عواصم المقاطعات إلى المناطق الريفية منذ أغسطس 2021. 

قد كان وأحد من أكثر التيارات إثارة للدهشة التي ظهرت ببحثنا هو محو المرأة الأفغانية من الحياة العامة. 

وحتى الآن، لا توجد امرأة في أفغانستان تشغل منصباً قيادياً في أي مكان له تأثير سياسي، سواء كان ذلك على المستوى الوطني أو الإقليمي. وعندما تشارك النساء الأفغانيات في هياكل طالبان، فإن أدوارهن تتعلق إلى حد كبير برصد امتثال النساء الأخريات لمراسيمها التمييزية. 

وينعكس هذا المحو السياسي على المستوى الاجتماعي. إذ تظهر بياناتنا أنه عندما تسلب الحقوق الأساسية، فإنها تؤثر على كل جوانب الحياة. ومن بين النساء اللواتي شملهن الاستطلاع، فلقد شعرن 98 في المئة منهن أن لديهن تأثيراً محدوداً أو معدوماً على صنع القرار في مجتمعاتهن.

وينعكس ذلك أيضاً في المنزل. وتظهر بياناتنا أن النسبة المئوية للنساء اللواتي يشعرن بأن بإمكانهن التأثير في صنع القرار على مستوى الأسرة قد انخفضت بنسبة 60 في المئة تقريباً خلال العام الماضي. ولإعطاء بعض السياق، فإنه كان بإمكان امرأة أفغانية قبل ثلاث سنوات أن تقرر من الناحية التقنية الترشح للرئاسة. والآن، قد لا تكون قادرة حتى على اتخاذ قرار بشأن متي تذهب للتسوق عند البقالة.

وبالرغم من أن الأمر لم يكن مثالياً قبل ثلاث سنوات، إلا أنه لكن لم يكن كهذا. 

image title
صور من أفغانستان مطبوعة على الكتان ومزينة بالتطريز. تصوير: جيني ماثيوز/ بانوس بيكتشرز

ومرتبطاً بفقدان الحقوق، فإن بياناتنا تشير إلى تصاعد أزمة الصحة العقلية والنفسية. وأفاد 68 في المئة من النساء اللواتي استشرناهن بأنهن يعانين من صحة نفسية "سيئة" أو "سيئة للغاية". وأشار 8 في المئة منهن إلى معرفة امرأة أو فتاة واحدة على الأقل قد حاولت الانتحار. 

وما هو واضح أيضاً بعد ثلاث سنوات، فهو أن قيود طالبان على حقوق النساء والفتيات ستؤثر على الأجيال القادمة. 

ويظهر تحليلنا أنه بحلول عام 2026، فإن تأثير ترك 1.1 مليون فتاة خارج المدرسة وأكثر من 100,000 امرأة خارج الجامعة يرتبط بزيادة معدل الإنجاب المبكر بنسبة 45 في المئة وزيادة خطر وفيات الأمهات أثناء الولادة بنسبة لا تقل عن 50 في المئة.

وفي ظل هذه الأزمة المتفاقمة لحقوق المرأة، فإنه يطرح عليَّ كثيراً هذا السؤال: ماذا يمكننا أن نفعل لدعم النساء والفتيات الأفغانيات؟

وجوابي هو دائماً هذه النقطة الرئيسية: إنه يجب علينا أن نستمر في الاستثمار في المرأة. ولا شيء يقوض رؤية طالبان للمجتمع أكثر من تمكين الجزء نفسه من السكان الذين يسعون إلى قمعهم.

"لا يمكننا أن نترك النساء الأفغانيات يقاتلن وحدهن. وإذا فعلنا ذلك، فلن يكون لدينا أي أساس أخلاقي للنضال من أجل حقوق المرأة في أي مكان".

أليسون دافيديان من هيئة الأمم المتحدة للمر

وعملياً، واستناداً إلى عمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن الاستثمار في المرأة يمكن ترجمته إلى ثلاث استراتيجيات رئيسية:

  • تخصيص تمويل مرن وطويل الأجل للمنظمات النسائية الشعبية. وهذه واحدة من أكثر الطرق فعالية للوصول إلى النساء والفتيات، والاستجابة لاحتياجاتهن، والاستثمار في أحد القطاعات القليلة التي لا يزال بإمكان النساء فيها التأثير على صنع القرار. وهو أمر صعب، ولكنه ممكن.  
  • تصميم برامج مخصصة لمكافحة محو النساء والفتيات، والاستثمار مباشرة في صمودهن، ومرونتهن، وتمكينهن، وقيادتهن. وتعد المبادرات الخاصة بالتعليم وسبل العيش وريادة الأعمال طرقاً حاسمة لمعالجة الدوافع الهيكلية لعدم المساواة بين الجنسين بشكل هادف. 
  • وأخيراً، من الضروري تيسير المساحات التي يمكن فيها للمرأة الأفغانية من خلالها أن تعبر عن شواغلها وأولوياتها بشكل مباشر. وتظهر بياناتنا أن النساء الأفغانيات يرغبن في تمثيل أنفسهن. ولكن اجتماعاً واحداً وخيار مشاركة واحد لن يكون كافياً ويجدي نفعاً. وفى أي مشاركة، يجب علينا أن نسأل: كيف يمكننا التشاور مع النساء الأفغانيات وإشراكهن؟ وما الذي يمكننا فعله بشكل مختلف لكسر نمط استبعاد المرأة؟ 

وقبل ثلاث سنوات، كان العالم بأسره يشاهد عملية الاستحواذ التي كانت تبث رعباً تلو رعباً على الهواء مباشرة. 

وبعد ثلاث سنوات، وبينما أنظار واهتمام العالم قد توجه إلى مكان آخر، فإن الفظائع لم تتوقف بالنسبة للنساء والفتيات الأفغانيات، كما لم تتوقف قناعتهن بالوقوف ضد القمع والظلم.

وعندما يتعلق الأمر بالكفاح من أجل حقوق المرأة، فإننا لا نقف عند نقطة انعطاف وتحول في أفغانستان فقط، ولكن أيضاً على الصعيد العالمي. ويراقب العالم ما يحدث للنساء والفتيات في أفغانستان. وفي بعض الأماكن ما حول العالم، فإنه يراقب للإدانة؛ وفي أماكن أخرى، فإنه يراقب لمحاكاة هذا القمع الهيكلي لطالبان.

ولا يمكننا أن نترك النساء الأفغانيات يقاتلن وحدهن. وإذا فعلنا ذلك، فلن يكون لدينا أي أساس أخلاقي للنضال من أجل حقوق المرأة في أي مكان. إذ مصيرهن يحدد مصير النساء في كل مكان. 

وإن ما نقوم بفعله – أو نفشل في القيام به – من أجل نسيمة وابنتها وجميع النساء والفتيات الأفغانيات، فهو الاختبار النهائي لمن نكون كمجتمع عالمي ولما نمثله.