إعادة الإعمار
كيف حشدت بيروت الجهود بعد الانفجار.
كيف حشدت بيروت الجهود بعد الانفجار.
كان الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت في أغسطس 2020 أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، إذ هز مساحات شاسعة من المدينة وتسبب في مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6,500 آخرين وألحق أضراراً بالغة بأكثر من 9,000 مبنى.
وفي وقت الانفجار، كان لبنان يعاني بالفعل من تبعات جائحة كوفيد-19، والعبء الناجم عن استضافة 1.5 مليون لاجئ سوري، فضلاً عن الاضطرابات السياسية، وتزايد مستويات انعدام الأمن الغذائي والبطالة.
إلى جانب ذلك، أدت الأزمة المالية المتفاقمة إلى انهيار العملة المحلية، وجعلت مدخرات الحياة من دون قيمة، وزادت تكلفة الواردات الأساسية الحيوية كالأغذية والأدوية.
وللاستجابة للأزمة الإنسانية التي تمخضت عن الانفجار، تم التعهد بملايين الدولارات لتوفير الغذاء والمأوى المؤقت للنازحين الجدد وإصلاح المباني المتضررة واستعادة أماكن العمل ووسائل كسب الرزق.
وجاءت عروض التمويل من مزيج من المانحين من الحكومات الدولية وبنوك التنمية ومنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية الخاصة والمنظمات غير الحكومية الدولية ومجموعات الشتات.
وعلى الرغم من أن بعض هذه الأموال قد تم دفعها لجهود الإغاثة التقليدية التي تقدمها المنظمات الدولية، إلا أن منظمات القواعد الشعبية اللبنانية والمؤسسات غير الربحية والاجتماعية على الخطوط الأمامية كانت أول المستجيبين للأزمة.
وبعد مرور أكثر من عام على هذه الأحداث المأساوية التي وقعت في 4 أغسطس، تحدثت ’زمن العطاء‘ إلى ست منظمات مختلفة حول الطرق التي اتبعتها لحشد جهودها والعقبات التي واجهتها وكيف أن الاستجابة للانفجار على المستوى المحلي ربما تكون قد جاءت بنموذج جديد لقطاع المعونة الطارئة.
رائدة العمل الخيري الاستثماري
المبادرة الشعبية الارتجالية
المشروع الاجتماعي
المنظمة غير الحكومية الدولية
المنظمة:
إمباكت لبنان: مبادرة الشتات
’إمباكت لبنان‘ Impact Lebanon هي منظمة غير ربحية مسجلة في المملكة المتحدة تم إنشاؤها عام 2019 من قبل أعضاء مجتمعات الشتات، في أعقاب الاحتجاجات المطولة المناهضة للحكومة في البلاد. وقد تمثلت مهمتها في تعزيز النشاط المجتمعي ودعم المبدعين ورواد الأعمال داخل لبنان في الأوقات التي يسودها عدم الاستقرار السياسي والمالي.
نفّذت ’إمباكت لبنان‘ بعض حملات جمع التبرعات قبل عام 2020، غير أن المنظمة التي يديرها المتطوعون بلغت مستويات جديدة من الأداء في غضون ساعات من انفجار 4 أغسطس. فقد كانت من بين أوائل المنظمات غير الربحية التي أطلقت نداءً للتمويل الجماعي عبر الإنترنت، بهدف جمع 5,000 جنيه استرليني (حوالي 6,876 دولاراً). غير أنه بحلول منتصف ليل اليوم الأول، حصل النداء على مليون دولار. وعندما أغلقت المنظمة نداءها بعد 10 أشهر، كانت الأموال التي تم جمعها قد تجاوزت الـ 9.2 مليون دولار.
وبالإضافة إلى الحصول على 171,922 تبرعاً - بما في ذلك تبرعات من بعض المشاهير مثل مادونا وجورج وأمل كلوني - تلقت حملة إغاثة بيروت 315,488 دولاراً من مزاد ’سوذبيز‘ Sotheby’s، وحققت أكثر من 200,000 دولار بعد تحويل الأموال التي جمعتها من الجنيه الاسترليني إلى الدولار الأمريكي.
لكن جمع الأموال ليس إلا جزءاً من القصة، إذ تقول سيبيل جورج، المؤسس المشارك لمنظمة ’إمباكت لبنان‘: "لقد كان من المهم جداً بالنسبة لنا التأكد من أن إنفاق هذه الأموال سيتم بشكل مسؤول ... وأن يتم تخصيصها للمنظمات المناسبة ولتلبية الاحتياجات الحقيقية على الأرض".
وتستهدف المنظمة ستة مجالات رئيسية من بينها توفير الدعم لسبل كسب الرزق وترميم المباني وتقديم خدمات الرعاية الطبية، وقد دعت المنظمات غير الربحية المحلية للتقدم بمقترحات للحصول على التمويل.
من جهته، يقول عصام زيتون، المؤسس المشارك للمنظمة، أن قرار تمويل المنظمات العاملة على الخطوط الأمامية كان متعمداً.
ويوضح بالقول: "نعتقد أن هذه المنظمات أكثر قدرة على فهم الاحتياجات على الأرض، كما أنها أكثر ارتباطاً بالناس".
ومن بين الـ 150 طلباً التي تم تقديمها، وقع الاختيار على ست منظمات للحصول على تمويل عاجل قدره 200,000 دولار. وقد تم صرف الأموال في أكتوبر الماضي، أي قبل أشهر من وصول معظم الأموال الدولية. وعلى مدار العام التالي، ستمول ’إمباكت لبنان‘ 12 منظمة أخرى ليصل مجموع المنظمات الحاصلة على التمويل إلى 18.
وقد خضعت جميع المنظمات غير الحكومية - الجديدة والقديمة – لعملية فرز وتدقيق مفصلة أجرتها ’إمباكت لبنان‘ بالشراكة مع منظمة ’قدرات‘ Qudurat المحلية غير الربحية والمؤسسة الاجتماعية 3QA. وجاء هذا الإجراء لضمان تمتع الجهات المتلقية للمنح بالدراية والخبرة والقدرة على إنجاز العمل؛ والتأكد بأن ليس لها أي انتماءات سياسة وتجنب الازدواجية في جهود الإغاثة.
وبحلول نهاية أغسطس 2021، تمكنت الأموال التي قدمتها ’إمباكت لبنان‘ من ترميم أكثر من 1,800 منزل و168 موقعاً تراثياً، وساعدت مئات المشروعات التجارية الصغيرة والمتناهية الصغر على العودة إلى العمل من خلال المنح النقدية وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي.
وشملت المنظمات غير الحكومية التي تلقت التمويل: بيت البركة ونساند ونادي الروتاري وباب وشباك وبيتنا بيتك وبسمة وزيتونة والفنار والمجموعة.
وتم أيضاً إنشاء لجان للإشراف على قنوات التمويل، ودخلت المنظمة غير الربحية في شراكة مع مؤسسة المديرين التنفيذيين الماليين الدوليين اللبنانيين (LIFE)، وهي مؤسسة خيرية مسجلة في المملكة المتحدة تقدم الدعم المصرفي في الأوقات التي يتعرض فيها لبنان لضغوطات مالية شديدة. ولم يتم الدفع للخدمات الخارجية من الأموال التي تم جمعها لحملة إغاثة بيروت بل تمت تغطيتها من الأموال الداخلية.
وعلى الرغم من أن السرعة والكفاءة التي حشدت فيها ’إمباكت لبنان‘ الجهود قد حظيت بإشادة المنظمات غير الربحية، داخل لبنان وخارجه، إلا أن زيتون يبدي الكثير من التواضع.
وعن ذلك يقول: "لا أعتقد أننا صنعنا نموذجاً للآخرين، بل قمنا بما يجب على الجميع القيام به، وهو التأكد من أننا نقوم بتحويل أموال الآخرين بشفافية وكفاءة قدر الإمكان. نحن جميعاً متطوعون هنا، لكننا نمتلك فيما بيننا الكثير من الخبرات في مختلف القطاعات. كما أن لبنان يحظى بجالية موهوبة جداً أرادت المساعدة بأي طريقة ممكنة".
أما جورج فتعتقد أن الطبيعة المجتمعية لمنظمة ’إمباكت لبنان‘ هي سر تأثيرها.
وفي هذا السياق تقول: "نعتبر إلى حد بعيد حركة شعبية مقارنة بالمنظمات الأخرى التي تتبع النموذج التنازلي من القمة إلى القاعدة. يكرس الجميع هنا أوقات فراغهم للعمل من أجل لبنان لأنهم شغوفون لمساعدته ويهتمون لأجله حقاً. أعتقد أنها قوتنا والسبب في استجابتنا بصورة أسرع من المنظمات الأكبر حجماً".
"لقد كان من المهم جداً بالنسبة لنا التأكد من أن إنفاق هذه الأموال سيتم بشكل مسؤول ... وتلبية الاحتياجات الحقيقية على الأرض".
المنظمة:
الفنار: رائدة العمل الخيري الاستثماري
الفنار هي أول مؤسسة ناشطة في مجال العمل الخيري الاستثماري في العالم العربي. ومنذ تأسيسها عام 2004، شقت المؤسسة طريقها لدعم المشاريع الاجتماعية التي تركز على مجالات مثل التعليم وتوظيف الشباب والتمكين الاقتصادي للمرأة في المجتمعات المستضعفة.
وفي أعقاب انفجار مرفأ بيروت، أطلقت مؤسسة الفنار المسجلة في المملكة المتحدة، صندوق الإغاثة في حالات الطوارئ الخاص بلبنان، وجمعت ما يزيد قليلاً عن مليون دولار من مزيج من الجهات المانحة الخاصة والشركات (بما في ذلك 383,500 دولار من ’إمباكت لبنان‘). وقد تم استخدام الأموال لإصلاح المباني المتضررة، ودعم الشركات الصغيرة والمؤسسات الاجتماعية من خلال المنح النقدية وتقديم الدعم في الأزمات وتوصيل الأغذية للأسر المنكوبة.
وكان في مقدمة وفي صميم هذه الاستجابة حافظة الفنار من المشاريع الاجتماعية. وكما أوضحت ميشيل مرقدي، المديرة القطرية للفنار في لبنان، فإن الهدف هو دعم المنظمات المحلية "بطريقة مستدامة"، مع توفير فرص للدخل للفئات الضعيفة من السكان.
ومن خلال إحدى المنظمات المتلقية لاستثماراتها وتدعي بيدكو BEDCO، ساعدت الفنار، بحلول مارس، في إصلاح مبان تابعة لـ 70 مشروعاً اجتماعياً وتجارياً بالإضافة إلى ثلاث مدارس. ولم يثسهم ذلك فقط في استئناف التجارة داخل العاصمة وإعادة الأطفال إلى الفصول الدراسية، بل خلق أيضاً 110 فرصة عمل للشباب اللبنانيين المحرومين، الذين تلقوا أيضاً تدريباً واكتسبوا خبرة عملية في قطاع البناء.
في أثناء ذلك، نجحت الشراكات مع متلقي استثمارات الفنار من المختصين في قطاع الأغذية – وهم بنك الطعام اللبناني وشارك وسفرة وسوق الطيبة – في تقديم أكثر من 130,000 وجبة ساخنة و3,000 علبة طعام ووفرت 66 وظيفة في مجال توريد الأطعمة وتوزيعها.
وأخيراً، حصل ستة من متلقي استثمارات الفنار على منح لتحقيق الاستقرار بقيمة إجمالية قدرها 146,000 جنيه استرليني. بالتوازي مع ذلك، تم دعم المنظمات بورش عمل حول الأزمات لمساعدتها على تجاوز التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الانفجار، ما سمح بخلق أكثر من 130 فرصة عمل جديدة.
وتقول ميرنا عطاالله، المديرة التنفيذية للمنظمة: "بالإضافة إلى التأثير الفوري الذي حصلنا عليه من خلال الاستجابة لحالات الطوارئ، أردنا أيضاً توفير فرص عمل للنساء والشباب المستضعفين في لبنان الذين تضرروا من الانفجار". وتضيف قائلة: "لقد شعرنا أنه يمكننا تحقيق هذه الأهداف بكفاءة وفعالية أكبر من المنظمات الإنسانية التقليدية، التي تتطلب وقتاً أطول لتكثيف جهود الاستجابة".
"لقد شعرنا أنه يمكننا تحقيق هذه الأهداف بكفاءة وفعالية أكبر من المنظمات الإنسانية التقليدية".
المنظمة:
باب وشباك: المبادرة الشعبية الارتجالية
كانت ماريانا وهبة في مكتبها عندما هز الانفجار وسط بيروت. وقبل لحظات من وقوعه، دخلت سيدة الأعمال الممر للاتصال بابنتها، وهو قرار تقول الآن أنه أنقذها من إصابة خطيرة.
وتقول وهبة: "في اليوم التالي، كنت برفقة صديقتي نانسي غابرييل التي دمر الانفجار منزلها بالكامل. وبينما كنا نتساءل كيف تمكنّا من البقاء على قيد الحياة، كانت المكالمات تنهال علينا من الأصدقاء والعملاء الراغبين في المساعدة".
وتضيف وهبة قائلة: "كنت أعمل في مجال الخدمات اللوجستية، أما نانسي فكانت تعمل في مجال المشتريات، وكلتانا يعرف الكثير من المصممين والمهندسين المعماريين. من هنا جاءتنا هذه الفكرة. لماذا لا نستفيد من الأموال التي يريد الناس إرسالها إلينا وحشد الجهود للشروع في إصلاح المنازل المتضررة حتى يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم. هكذا بالضبط بدأت فكرة منظمتنا".
وعلى مدار 12 شهراً أصلحت باب وشباك نحو 830 منزلاً وتعاونت مع منظمة Let’s Play غير الربحية للمساعدة في إصلاح الملاعب المدرسية التي تضررت جراء الانفجار.
ومن خلال حشد المهندسين المعماريين والنجارين والمقاولين ومركبي الزجاج والرسامين للتطوع بمهاراتهم، كلَّفت منظمة باب وشباك فرقاً لإصلاح منازل بعض السكان الأكثر ضعفاً في المدينة. كما دعم الفريق المنظمات غير الربحية الأخرى، بما في ذلك مبادرة بيروت للتراث، من خلال مشاريع إعادة الإصلاح والترميم.
وتراوحت التبرعات من تبرعات فردية بقيمة 10 دولارات تم تقديمها من خلال PayPal إلى منحة بقيمة 500,000 دولار من منظمة الشتات ’إمباكت لبنان‘. كما تلقت باب وشباك هبات لمرة واحدة من مؤسسة فرنسا للأعمال الخيرية (118,000 دولار)، ومؤسسة إدورت كورتو (50,000 دولار)، ومؤسسة غسان أحمد (50,000 دولار)، وغيرها.
وقد جمعت باب وشباك، التي تلقت الدعم فيما يخص عملياتها المالية من منظمة غير ربحية محلية تسمى جمعية توحيد شبيبة لبنان، ما يقرب من مليوني دولار لتمويل عملها، ما يقدم مثالاً بارزاً على كيفية استجابة منظمات القواعد الشعبية بفعالية في الأزمات.
مع ذلك، كان منحنى التعلم شديد الانحدار بالنسبة لوهبة التي لم يكن لديها خبرة في عمل المنظمات غير الحكومية من قبل وقد وجدت صعوبة في الأعمال الإدارية.
وعن ذلك تقول وهبة: "أتذكر كيف كنت أرى في ذلك الوقت أنه من غير المنطقي أن يستغرق الإفراج عن الأموال وقتاً طويلاً للغاية في فترة كنا نحاول فيها التحرك بأسرع ما يمكن من أجل الاستجابة". وتضيف قائلة: "لكنني عندما أفكر في هذا الأجراء اليوم أقول أنه كان من المهم جداً أن يقوموا بالتدقيق جيداً في مبادرتنا. أعتقد أننا أظهرنا بالفعل لبعض المنظمات غير الحكومية الكبرى في لبنان كيف تدار الأمور".
وتوضح وهبة بالقول: "في واقع الأمر، لم يكن لدي أي فكرة عن العمل الذي أقحمنا أنفسنا به، وكل ما كنا نقوم به هو أننا نفعل ما بوسعنا في تلك اللحظة لمساعدة بلدنا في إعادة البناء، فهذا واجبنا".
وتضيف وهبة، التي اشتهرت بالطلب من متطوعيها غناء النشيد الوطني اللبناني صباح كل يوم قبل بدء العمل: "ما كنا نريده فقط أن لا تذهب أي أموال إلى حكومتنا، لذلك انتهى بنا الأمر بأن نفعل ذلك بأنفسنا. ما زلت لا أصدق حقاً ما خططنا له في ذلك الوقت وما حققناه الآن".
"أعتقد أننا أظهرنا بالفعل لبعض المنظمات غير الحكومية الكبرى في لبنان كيف تدار الأمور".
المنظمة:
بسمة وزيتونة: المنظمة غير حكومية المحلية
تأسست منظمة بسمة وزيتونة عام 2012 وهي تقدم مجموعة من خدمات الدعم على الخطوط الأمامية، بما في ذلك التدريب المهني والمساعدات الغذائية والتعليم وجهود المناصرة المجتمعية لمساندة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان.
وعندما دمر انفجار مرفأ بيروت جزءاً كبيراً من المدينة القديمة، حشدت المنظمة غير الحكومية فرقها على الفور للمساهمة في الاستجابة الإنسانية، ليس فقط لصالح اللاجئين السوريين ولكن لجميع السكان. فبدأت بتوزيع الطرود الغذائية الطارئة وتوفير المأوى، لكنها استحدثت أيضاً برامج لإعادة ترميم المنازل ودعم الأعمال التجارية الصغيرة وتوفير النقد مقابل العمل.
حصلت بسمة وزيتونة على 2.2 مليون دولار على شكل تبرعات لتغطية تكاليف عملهما في تلك الأشهر القليلة الأولى. وجاء 499,500 دولار منها من منظمة ’إمباكت لبنان‘ بالإضافة إلى 750,000 دولار من مؤسسة القلب الكبير الإماراتية. وقد سمحت هذه الأموال للمنظمة بترميم أكثر من 100 منزل (بما في ذلك تنفيذ أعمال الكهرباء والسباكة) وتزويد المناطق المتضررة بالوجبات الغذائية والمياه المعبأة وتوفير أماكن الإقامة المؤقتة.
ويوضح فادي حليسو، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمنظمة بسمة وزيتونة: "في الأشهر القليلة الأولى بعد الانفجار، تلقينا مبلغاً كبيراً من المال لكنه لم يتعد كونه عملاً خيرياً". ولكن حليسو يقول أن الاهتمام تضاءل بعد ذلك وتم توجيه كل التمويل الأكبر حجماً والأطول أجلاً إلى البرامج التي تديرها المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة.
ويوضح حليسو بالقول: "في بعض الأحيان يبدو أن النظام لا يهتم بما يحتاج إليه الناس بالفعل. فحتى مبلغ 50,000 دولار يمكن أن يصنع المعجزات عندما يقدم مباشرة إلى منظمة محلية، لأن لدينا تكاليف قليلة ونفقات عامة أقل. أما عندما يتم منح هذا المبلغ لمنظمة غير حكومية دولية، فهو مجرد مبلغ زهيد بالنسبة لهم".
ويقول حليسو أن دعم المنظمات غير الحكومية المحلية بشكل مباشر "يجعلنا نستفيد من الموارد المحدودة لأقصى درجة ممكنة"، كما أنه يساعد المنظمات الأصغر حجماً على بناء القدرات، بدلاً من تمويل الوكالات الكبيرة التي تتعاقد من الباطن مع المجموعات الفاعلة على الخطوط الأمامية.
ويضيف قائلاً: "نعاني من مشكلة وهي أننا نوظف خريجين جدد، لكن بعد عام من توظيفهم وبمجرد أن يكتسبوا الخبرة، فإنهم ينضمون إلى منظمة أو وكالة دولية مقابل راتب أعلى ... وهذا ما يعزز هذه الحلقة المفرغة، إذ لا يمكننا أن نصبح منظمة أكبر للتقدم من أجل الحصول على منح أكبر ومن دون المنح الأكبر حجماً لا يمكننا أن نصبح منظمة أكبر".
"في بعض الأحيان يبدو أن النظام لا يهتم بما يحتاج إليه الناس بالفعل".
المنظمة:
فابريك إيد: المشروع الاجتماعي
’فابريك أيد‘ FabricAID هي مشروع اجتماعي يقع مقره في بيروت ويقوم بجمع الملابس المستعملة وإعادة تدويرها وبيعها. أما ’سكيند بيس‘ Second Base، فهو متجره الذي تم افتتاحه حديثاً وتحول إلى أنقاض بسبب الانفجار وترك مؤسس المشروع عمر عيتاني، الذي كان متواجداً في المتجر وقت وقوع الكارثة، مغطىً بالدماء ومصاباً بجروح احتاج علاجها إلى أكثر من 100 قطبة.
وعلى الرغم من خطورة إصاباته، والدمار الذي لحق بمشروعه، إلا أن عيتاني وفي غضون أيام من الانفجار حشد، بمساعدة من أصدقائه، فريقاً من المتطوعين للبدء في إزالة الأنقاض من الشوارع والمباني.
ويتذكر عيتاني تلك الفترة قائلاً: "لقد كان أمراً خارج نطاق عمل ’فابريك أيد‘ ولكن نظراً لأننا نملك شاحنات وموظفين ومستودعاً ولدينا بالفعل شبكة علاقات، فقد تمكنا من التواصل مع الناس بسرعة كبيرة وبدء العمل على الفور".
أقام الفريق مخيماً واستأجر شاحنة وأصلح نحو 50 مبنىً في الأسابيع التالية بفضل الأموال التي تم جمعها من خلال التمويل الجماعي عبر الإنترنت.
وبعد شهرين فقط، أعادت ’فابريك أيد‘ افتتاح متجر ’سكيند بيس‘ من جديد في شارع مونو العصري في بيروت. ومنذ ذلك الحين، افتتحت سوق عكاظ، وهو متجر مفاهيمي يقدم استردادات نقدية مقابل العلامات تجارية الشهيرة التي تباع بثمن رخيص، وبدأت أعمالها في الأردن، وأطلقت متجر ’سكيند بيس‘ على الإنترنت في الإمارات العربية المتحدة.
وقد تمكنت ’فابريك أيد‘ من النمو، فضلاً عن توفير وظائف تزداد الحاجة إليها وتقديم الملابس بأسعار مناسبة للمحتاجين - بفضل التمويل والدعم الذي حصلت عليه من مؤسسة الفنار للعمل الخيري الاستثماري. وقد تلقت الفنار بدورها أموالاً من مجموعة الشتات ’إمباكت لبنان‘، لدعم حافظتها من المشاريع الاجتماعية.
ويوضح عيتاني قائلاً: "كانت هذه الخطط موجودة لدينا من قبل. لكن الانفجار أدى بالتأكيد إلى تسريع الأمور. قبل الانفجار، كان فريقنا مؤلفاً من حوالي 25 شخصاً، أما الآن فلدينا أكثر من 45 شخصاً، وبذلك توسع بشكل كبير".
"نظراً لأن لدينا شبكة علاقات بالفعل ... فقد تمكنا من التواصل مع الناس بسرعة كبيرة وبدء العمل على الفور".
المنظمة:
مؤسسة الشرق الأدنى: المنظمة غير حكومية الدولية
مؤسسة الشرق الأدنى (NEF) هي منظمة غير حكومية دولية تعمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا ويتم تمويلها من خلال مزيج من أعمال الخير وميزانيات المعونة الدولية. وتركز برامجها الطويلة الأمد في لبنان على سبل كسب الرزق ودعم الأمن الغذائي للاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم.
واستجابةً لانفجار المرفأ في أغسطس 2020، أطلقت مؤسسة الشرق الأدنى صندوق استعادة سُبل العيش في بيروت بهدف جمع مليون دولار لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر المتضررة على استعادة مبانيها واستئناف أنشطتها التجارية.
وتقول أندريا كراولي، مديرة الشراكات والعمل الخيري لدى مؤسسة الشرق الأدنى: "لا تعتبر سُبل العيش عادة من القضايا التي تحظى بالاستجابة الأولى. لكن في الكثير من هذه البيئات الهشة، وفي سياق لبنان بالتحديد، فإن دعم سُبل العيش يعتبر أمر مهماً منذ البداية لأن المساعدات لن تحقق الكثير".
وتضيف كراولي أنه قد تم تحديد سقف الصندوق بـ 400,000 دولار بسبب تفضيل بعض المانحين دعم برامج الطوارئ وقلق بعضهم الآخر بشأن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في لبنان.
مع ذلك، ومن خلال الأموال التي كانت تمتلكها، ساعدت مؤسسة الشرق الأدنى 130 شركة صغيرة في بيروت على العودة إلى العمل، مما سمح باستعادة مصادر الدخل وإعادة الخدمات الحيوية إلى المجتمعات المتضررة، واستخدام منح النقد مقابل العمل لدفع رواتب التجار المحليين.
وتحدثت كراولي عن وجود دفعة قوية لدعم المنظمات غير الحكومية المحلية والقواعد الشعبية استجابة للانفجار وقد عملت مؤسسة الشرق الأدنى "بمثابرة" لضمان دعمها للمنظمات المحلية وتفادي ازدواجية الجهود.
وتضيف قائلة: "نحن نركز على تلك العلاقة بين المعونة الإنسانية والتنمية الاقتصادية. فنحن نتطلع إلى اتباع نهج أكثر استدامة؛ أي ليس فقط ترقيع النافذة المكسورة بقطعة من البلاستيك، وإنما إصلاح النافذة بأكملها".
"دعم سبل العيش يعتبر أمر مهماً منذ البداية لأن المساعدات لن تحقق الكثير".