استغرقت الرحلة من دكا إلى داولاتديا حوالي ثلاث ساعات، وهو وقت كافٍ لكي يطلعني زميلي على ما يمكنني توقعه عند الوصول. تقع داولاتديا في مقاطعة راجباري في بنغلاديش التي لا تبعد كثيراً عن الحدود مع الهند وتشتهر بكونها أكبر بيت للدعارة في البلاد، وواحداً من أكبرها في العالم.
تعيش أكثر من 1,800 عاملة في الجنس ونحو 500 طفل في القرية المكتظة الواقعة بالقرب من ضفاف نهر بادما. ويمر خط سكة حديد وسط هذا المجتمع المزدحم الذي يشبه متاهة من الكتل الخرسانية والمباني المشيدة من الطوب وأكواخ الصفيح. وفي المنطقة المحيطة بغرف العمل الضيقة والمظلمة تتناثر متاجر بأحجام مختلفة يتجمع بداخلها الزبائن وينتشر في محيطها الباعة المتجولون وسائقو عربات الريكشو. كما أن الظروف المعيشية مزرية في هذا المكان البائس ويعتبر تعاطي المخدرات ممارسة شائعة.
ويعد العمل في الجنس قانونياً في بيوت الدعارة المرخصة في بنغلاديش، على أن يزيد عمر العاملات هناك عن 18 عاماً، كما يفترض أن يحملن شهادة تؤكد موافقتهن على هذا النوع من العمل. مع ذلك، تعرضت نسبة عالية منهن للاتجار بهن بشكل غير قانوني في هذه الصناعة.
زرت داولاتديا، بصفتي الرئيس التنفيذي لـ ’صندوق الحرية‘ Freedom Fund الذي يسعى لإنهاء العبودية الحديثة من خلال تحديد أكثر التدخلات فعالية على الخطوط الأمامية والاستثمار بها، من أجل تعميق معرفتي بالاستغلال الجنسي التجاري للأطفال هناك واستكشاف ما يمكن لمنظمتي تقديمه لمساعدة المتأثرين.
حققت بنغلاديش، التي كانت ذات يوم واحدة من أفقر دول العالم، قفزات اقتصادية كبيرة وأصبحت في عام 2015 واحدة من دول الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. مع ذلك، يفيد البنك الدولي أن أكثر من 20 مليون بنغالياً ما زالوا يرزحون تحت خط الفقر (بدخل يقل عن 2.15 دولاراً في اليوم).
وبينما يضطر العديد من الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة من أجل كسب رزقهم، لا تنهي سوى ربع الفتيات البنغاليات مرحلة الدراسة الثانوية. نتيجة لذلك، يصبح هؤلاء الأطفال معرضين بشكل كبير للاستغلال وسوء المعاملة ويعاني الآلاف منهم من الاستغلال ويتم الاتجار بهم ويجدون أنفسهم عالقين في صناعة الجنس التجاري.
كانت النسوة اللائي التقينا بهن في زيارتنا إلى داولاتديا في وضع يائس للغاية. فقد كان بيت الدعارة قد أغلق لأشهر في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19 وقد نضُب دخل العاملين فيه بين ليلة وضحاها. ولم يكن لدى النساء، باستثناء قلة قليلة منهن، مدخرات يمكنهن الاعتماد عليها وأصبحت الكثيرات منهن معدمات ومعتمدات على المساعدات الحكومية الضئيلة لتأمين قوت يومهن إلى أن يتم استئناف العمل.
وحتى بعد رفع القيود وحصول النساء على اللقاح، بقي النشاط التجاري منخفضاً بعد أن أدى افتتاح طريق سريع إلى تقليص عدد سائقي الشاحنات الذين يتوقفون في داولاتديا.
ووفقاً للمنظمات غير الحكومية المحلية، يقدر أن ما يصل إلى نصف العاملات في بيوت الدعارة في المجتمع المحلي لم يبلغن بعد الـ 18. وكغيرهن من العاملات في الجنس اللواتي تزيد أعمارهم عن 18 عاماً تتعرض هؤلاء النساء في سن مبكرة للمقامرة والعنف والمخدرات، فضلاً عن التحرش والاعتداء الجنسي من قبل الزبائن. وفي بعض الحالات، يتم إحضار الأطفال من الفتيات أيضاً إلى بيت الدعارة من مجتمعات أخرى ويتم تشغيلهن بالجنس القسري.