إنهاء الاستغلال

كيف تسند الأعمال الخيرية المنظمات غير الحكومية في الخطوط الأمامية لدعم الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.

داخل منزل متواضع على شارع سكني في حي كاموكونجي الصاخب بالعاصمة الكينية – نيروبي، تجلس فلورنس كيا على مكتب بجوار الباب، وترحب بالناس بابتسامة دافئة.

وهنا، داخل منزل «مايشا» الآمن للفتيات، فإنها تقدم ملاذاً للفتيات الصغيرات اللواتي تعرضن للعنف الجنسي، والزواج المبكر، وعمالة الأطفال.

وكناجية هي نفسها من العنف الجنسي في مرحلة الطفولة، فإن فلورنس قد أدركت جيداً وجود ثغرة في دعم الفتيات مثلها في مجتمعها المحلي، حيث يُعتبر الاستغلال من خلال العمل المنزلي قصة شائعة للغاية، وتعهدت بالعمل من أجل التغيير.

وبعد أن أتمت فلورنس – المعروفة لدى الكثيرين باسم ماما فلو – دورة جامعية في علم النفس، فلقد قررت العودة إلى مسقط رأسها لتكريس حياتها لدعم الفتيات الأخريات المعرضات لخطر الاعتداء الجنسي والاتجار بالبشر.

وأوضحت فلورنس قائلة: "لقد قمت بكل الشفاء والمشي لحالتي بمفردي، وقد أثر ذلك علىَّ بالفعل. ولمجتمعي المحلي حاجة إلى أشخاص مثلي ... وهذا ما دفعني إلى إنقاذ الفتيات اللواتي تم الاتجار بهن، وتقديم المأوى والدعم النفسي والاجتماعي لهن، والعمل معهن والتأكد من حصولهن على الرعاية والدعم عندما يعانين من صدمات التجارب الصعبة".

وأسست فلورنس منزل «مايشا» الآمن للفتيات  كمنظمة غير حكومية في عام 2014. وإنه يوفر للفتيات والشابات اللواتي نجين من الانتهاكات الجنسية مكاناً آمناً للعيش فيه وللحصول على كل من الرعاية الطبية والاستشارة والعلاج النفسي؛ والأهم من كل ذلك، هو الحصول على فرصة أن يصبحن جزءاً من أسرة.

وإلى هذا الحين، فلقد وفرت هذه المنظمة غير الحكومية مأوى لـ 700 فتاة هاربات من ظروف عمل استغلالي، كما أعادت إدماج أكثر من 600 فتاة في مجتمعاتهن الأصلية.

image title
توفر دار الأمان "مايشا جيرلز" ملجأ للنساء اللواتي وقعن في أوضاع استغلالية وخدمة قسرية، كما تقدم لهن تدريبًا على المهارات ودعمًا للعثور على عمل. الصورة: صندوق الحرية.

وفي عام 2023، ابتدأ صندوق «فريدوم» – وهو مؤسسة مدعومة من قبل الأعمال الخيرية ومكرسة لإنهاء العبودية الحديثة – في دعم منزل «مايشا» الآمن للفتيات.

وبينما لا يكون القيام بالعمل المنزلي دائماً استغلالياً أو ضاراً بالمراهق، إلا أن بعض أشكال عمل الأطفال المنزلي تُعتبر عبودية منزلية، مثل مواجهة الطفل لظروف عمل استغلالية وضارة، ولاعتداء جسدي وجنسي، ولساعات عمل طويلة.

ويحدث الاستغلال أيضاً عندما يعمل الطفل في سن مبكرة جداً، أو يُمنع من الوصول إلى التعليم، أو يتعرض لضرر عاطفي ونموي، أو لا يستطيع ترك الوظيفة.

ووفقاً لأبحاث صندوق «فريدوم»، فإنه غالباً ما يتعرض عمال المنازل القاصرين للإيذاء الجسدي والعاطفي، وهذا تحت ستار "الانضباط" – عندما لا يُعتبر عملهم أو سلوكهم مقبولاً. ومن الأمثلة على هذا "الانضباط" هو الصفع، أو الضرب بأداة، أو التوبيخ، أو سحب الامتيازات.

ويقع الاعتداء الجنسي أيضاً – على الرغم من أنه نادراً ما يتم الإبلاغ عنه – مما يعرض عاملات المنازل القاصرات للأذى الجسدي والنفسي، والحمل غير المرغوب فيه، والأمراض المنقولة جنسياً.

وفي كينيا، يُقدّر أن عمل الأطفال المنزلي هو ثاني أكبر مساهم في عمالة الأطفال بعد الزراعة. ونظراً لكون الفقر هو المحرك الرئيسي، فإنه كثيراً ما يضطر الأطفال إلى ترك المدرسة لكسب المال لإعالة الأسر، وللمساعدة في إطعام الأشقاء الصغار ودفع الإيجار.

ومع ذلك، لا تزال هذه الممارسة مخفية إلى حد كبير خلف الأبواب المغلقة، وعدم الوضوح داخل الأطر القانونية والسياسية الكينية لا يؤدي إلا إلى تفاقم أخطار استغلال العمالة المنزلية.

والعديد من الفتيات اللواتي تلتقي بهن فلورنس قد عبرن الحدود من أوغندا وتنزانيا – وبعضهن بشكل غير قانوني – وهن يائسات لكسب لقمة العيش.

وتقول إن الكثيرين منهن يقبلون بالمحن كما هي، ويستسلمون للضغوط، وهذا لأجل إعالة أسرهم. وأوضحت قائلة: "عندما تكونين فتاة ويحيط بك كل هذا الأمر المشين، فإنك تكونين في موقف حيث تفكرين فيه بأن هذا الأمر هو ما يفترض أن أكون عليه، أو هذا الأمر هو كل ما يفترض أن أفعله".

وأضافت قائلة: "وعندما تكبرين قليلاً، فإن عائلتك تنظر إليك أيضاً كشخص يستوجب عليه توفير احتياجات الأسرة"، وقالت إن هناك ضغطاً كبيراً على الفتيات الصغيرات ليكونوا على قدر المسؤولية تجاه أسرهن.

وبالإضافة إلى الحماية وإعادة التأهيل المقدمة للفتيات، فإن فلورنس وفريقها يقدمون كذلك تدريب على المهارات والتعليم، مما يوفر للفتيات فرص عمل بديلة هن في أشد الحاجة إليها.

وتلعب منظمات مثل منزل «مايشا» الآمن للفتيات دوراً حيوياً في دعم بعض من أكثر الأشخاص ضعفاً في المجتمعات، ولكن المنظمات المحلية التي يقودها الناجون غالباً ما تعاني من نقص في الموارد أو يتم تهميشها بشكل نظامي.

ويحرص صندوق «فريدوم» على العمل بشكل أوثق مع المنظمات غير الحكومية القاعدية، حيث تقدم تمويلاً مرناً للمنظمات الصغيرة التي عادة ما يتم تجاهلها من قبل الأعمال الخيرية وممولي التنمية التقليديين بسبب اعتبارها "محفوفة بالمخاطر" أو "متخصصة جداً".

وفي السنوات العشر منذ تأسيسه، فلقد قام صندوق «فريدوم» بالتمويل والشراكة مع أكثر من 225 منظمة في الخطوط الأمامية، والتي أثرت بشكل مباشر على حياة 1.65 مليون شخص.

وأوضح الرئيس التنفيذي نيك جرونو بأن "شركاؤنا المحليين يعرفون السياق، ويثق بهم المجتمعات، ويمكنهم العمل في تحالف لتعزيز حقوق أولئك الأكثر عرضة لخطر الاستغلال".

ويضيف: "إن نقل السلطة إلى الشركاء في الخطوط الأمامية هو مبدأ أساسي لأعمالنا. ومن خلال التعاون مع القيادة القاعدية وتوفير التمويل المرن، فإنه يمكن للمانحين أن يصبحوا محوريين في دفع التغيير ومعالجة الاستغلال في المجتمعات الأكثر تهميشاً".

ويمكن العثور على مثال لذلك في إثيوبيا، حيث كشف العمل الوثيق مع الشركاء أن الشباب الإثيوبيين كانوا يقومون بتزوير الوثائق ليتمكنوا من السفر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للعثور على عمل، ثم يجدون أنفسهم معرضين بشدة لسوء المعاملة من جراء ذلك.

ويتطلع الآن نظام رقمي جديد للتوظيف في الخارج إلى الحد من أخطار تزوير الوثائق، وبالتالي إلى المساعدة في حماية الأطفال من الاستغلال في العمل المنزلي.

"إن نقل السلطة إلى الشركاء في الخطوط الأمامية هو مبدأ أساسي لأعمالنا."

نيك جرونو

image title
فلافيان، 18 عامًا، تعرضت للاستغلال كعاملة منزلية وهي طفلة، لكن بفضل دار الأمان "مايشا جيرلز"، أصبحت الآن تتعلم مهارات تصفيف الشعر والتجميل حتى تتمكن من إعالة نفسها. الصورة: صندوق الحرية.

ورجوعاً إلى كينيا، فإن فلافيان البالغة من العمر 18 عاماً تقف أمام قاعة مجتمعية مكتظة وهي مبتسمة بالكامل أثناء مخاطبتها لصفوف من زملائها خريجي تصفيف الشعر والتجميل – وتحكي لهم قصتها.

وإنها تظهر ثقة قد اكتسبتها جديداً بعد طفولة صعبة جداً. إذ توفي والد فلافيان عندما كانت في الرابعة من عمرها؛ وعندما أدارت عائلته ظهرها لوالدتها وإخوتها الصغار، تم إرسالها للعيش والعمل لدى عمها. وتركت العمل مع عمها بعد أن أساءت إليها زوجته؛ ولكن مع مرض والدتها وعدم قدرتها على العمل، أخذت فلافيان وظيفة استغلالية أخرى في منزل خاص.

وبفضل منزل «مايشا» الآمن للفتيات، تمكنت فلافيان من الخروج من العبودية المنزلية، واستئناف تعليمها، وهي تأمل الآن في العمل بمجال التجميل وتصفيف الشعر لإعالة نفسها.

قالت فلافيان في خطابها: "إنني حقاً أشكر منزل «مايشا» الآمن للفتيات. وهناك العديد من الفتيات اللواتي يعانين والأشخاص الذين يمرون بالانتهاكات مثلما فعلت ... ولم يكن لدي أحد أتحدث معه – ولكن منزل «مايشا» الآمن للفتيات هو الذي أسداني الفرصة المؤاتة. ولقد كانوا بمثابة أسرة بالنسبة لي. وبالتالي تمكنت من معرفة ما تعنيه الأسرة. ولم أحصل قبلها أبداً على ذلك الحب العائلي – وذلك الحب الأبوي – لأن والدتي كانت مريضة جداً وكان عليَّ أن أعتني بها كأكبر الأنجال".

وأضافت: "بفضل منزل «مايشا» الآمن للفتيات، اكتشفت أن لدي حقوقي الخاصة، بما في ذلك الحق في التعليم، والآن أشعر بتحسن كبير جداً لأنني لم أعد في ظلال ذلك الخوف الرابض".

وتدرك فلورنس، مؤسسة منزل «مايشا» الآمن للفتيات، بأن لديها مهمة كبيرة على عاتقها، ولكنها واثقة من أنه مع زيادة الوعي سيكون هناك استغلال أقل. وقالت بحزم: "حتماً ستكون هناك نهاية لكل هذا الأمر. إذ أصبح المزيد من الناس يدركون ويفهمون أن هذا النوع من الاتجار بالأطفال والعمل المنزلي ليس سوي انتهاك صريح". - PA