إبادة تعليمية في غزة

مع تدمير جميع مؤسسات التعليم العالي في غزة والبالغ عددها 12 مؤسسة بواسطة القنابل الإسرائيلية، فماذا بعد ذلك بالنسبة للطلاب ولأعضاء هيئة التدريس ولمستقبل التعليم الفلسطيني؟

image title

إن التعليم أمر جوهري للهوية الفلسطينية، وقد كان إحدى أشكال الصمود النشطة لشعب سُرقت منه دياره وحقوقه وسبل عيشه على مدى أجيال. ومن المعروف جيداً أنه على الرغم من جميع تحديات العيش تحت الاحتلال، فإن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في غزة هي من بين أعلى المعدلات في العالم.

ولكن منذ بدء القصف الإسرائيلي في 7 أكتوبر الأول، فلقد تم تحويل أغلبية مدارس وجامعات غزة إلى أنقاض. وقد أدى هذا إلى إخراج أكثر من 600 ألف من أطفال المدارس من فصول الدراسة، كما أجبر عشرات الآلاف من طلاب الجامعات على تعليق دراستهم – ومستقبلهم.

وعدد قليل جداً من الفلسطينيين يقبلون بأن هذا الأمر مجرد ضرر جانبي للحرب، وبدلاً من ذلك يصفونه بالإبادة التعليمية. ويقولون إن المؤسسات التعليمية والأكاديميين في غزة يتم استهدافهم عمداً من قبل الإسرائيليين للقضاء على ألمع العقول الفلسطينية وتشتيتها؛ وإنها حيلة متعمدة للحد من قدرة الأمة على إعادة البناء عندما تنتهي الحرب.

والدكتورة سائدة عفونة – عميدة كلية التربية في جامعة النجاح الوطنية في الضفة الغربية – والتي هي إحدى ضيوفنا، تقول للمضيفة ميساء جلبوط: "هذه أكثر من مجرد حرب؛ إنها إبادة تعليمية".

وبالشراكة مع UNIMED واتحاد جامعات البحر الأبيض المتوسط وصندوق المنح الدراسية للطلاب الفلسطينيين (PSSF) ، فإن جامعة النجاح تتصدر هذه المبادرة لمشاطرة التكنولوجيا والموارد لكي تنشئ مخطط للتعلم الإلكتروني للطلاب في غزة.

وتوضح الدكتورة عفونة بأن الهدف الرئيسي هو الإبقاء على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في غزة. وتقول: "لا نريد أن نفقد خبراء وأدمغة غزة... إذ نحن بحاجة إلى أشخاص متعلمين للبقاء داخل فلسطين حتى نتمكن من إعادة بناء النظام التعليمي بعد نهاية هذه الإبادة الجماعية".

وفي وقت التسجيل، كان ما يقرب من 47,000 طالب قد تقدموا بالفعل للبرنامج – أي ما يعادل أكثر من نصف العدد الإجمالي لسكان غزة المسجلين في التعليم العالي – وكذلك بادر بالتطوع حوالي 500 محاضر وبروفسور من جميع أنحاء العالم لتدريس 200 دورة مختلفة.

وبالإضافة إلى تلقي المحاضرات، فسوف يتحصل الطلاب وعائلاتهم أيضاً على كلا من الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على استيعاب تجاربهم ما تحت القصف الإسرائيلي.

وكان الدكتور إيهاب نصر – عميد العلوم الطبية التطبيقية في جامعة الأزهر – هو واحد من العديد من الأكاديميين الذين اختاروا مغادرة غزة، وقد تحدث إلى «إستديو الأثر» من إدمونتون في كندا، حيث انتقل لبدء حياة جديدة مع زوجته وأطفاله الخمسة.

وقال بأنه شعر وكأنه ترك جزءاً من روحه وراءه في غزة، وهذا فضلاً عن العشرات من أفراد الأسرة، وحيث الكثير منهم الآن عالقون في معسكرات الخيام.

وأخبر ميساء بأن "المغادرة ليست قراراً سهلاً... فهذا هو موطنك. ولا نريد أن نكرر النكبة، حيث غادر أجدادنا وآباؤنا، معتقدين أنهم سوف يعودون مرة أخرى... ولذا فقد كان قراراً صعباً للغاية".

ويسهب قائلاً: "ولكن عندما تكون تحت ضرب النار طوال الوقت، وعندما يكون القصف ما حولك، ويضرب الحي، وجيرانك، وشوارعك، وأحياناً منزلك، فليس لديك أي خيار؛ والشيء الوحيد الذي يمكنك القيام به هو البقاء على قيد الحياة ومحاولة العثور على مأوى لك ولأطفالك".

ونظراً لعدم قدرة جامعته على تقديم التعلم عبر الإنترنت بعد تدمير خوادمها، فإن الدكتور نصر حالياً يقوم بتدريس وحدات التغذية عن طريق جامعة بيرزيت في الضفة الغربية كجزء من مبادرة «إعادة بناء الأمل».

وفي نفس المنوال، يعمل البروفيسور محمود لوباني على دعم الطلاب في غزة، وهو جراح القلب والصدر المقيم في المملكة المتحدة ورئيس أكاديمية «بالميد»، وهي فرع من «بالميد أوروبا»، والتي تروج لرعاية صحية أفضل للفلسطينيين في الداخل والخارج.

ومثل الكثيرين، يشعر البروفيسور لوباني بالقلق إزاء عدد المهنيين الصحيين وأعضاء هيئة التدريس الطبية الذين قُتلوا وأُصيبوا، وما يعنيه ذلك لمستقبل الرعاية الصحية في غزة وسط الاحتياجات الصحية المعقدة والمتزايدة باطراد نتيجة لأشهر من الصراع.

وفي مارس من هذا العام، فإن أكاديمية «بالميد» قد أطلقت مبادرة أطباء غزة المثقفون (GEM) لإنشاء كلية طبية افتراضية، وهذا بالاستفادة من خبرة الأكاديميين والاستشاريين المتطوعين في جميع أنحاء العالم لتثقيف طلاب الطب في غزة.

ويسمح هذا النهج للطلاب باتباع مناهجهم الدراسية والتخرج من كلياتهم، مع الحفاظ على اعتماد المؤسسات. وقد سجل أكثر من 2,000طالب طب بالفعل، كما بادروا وفقاً للبروفيسور لوباني حوالي 250 من أعضاء هيئة التدريس الدوليين لتدريسهم.

وسوف تلبي مبادرة (GEM) احتياجات جميع مستويات طلاب الطب، وسوف يقدم دروساً عبر الإنترنت للسنوات الأولى والثانية والثالثة، وهذا فضلاً عن تقديم مواضع سريرية للسنوات الرابعة والخامسة والسادسة، وبعضها جار بالفعل في مستشفيات غزة الميدانية والمحاصرة.

وقال البروفيسور لوباني لميساء: "إنني أشجع الجميع على فعل كل ما في وسعهم وأن لا ييأسوا... سوف تنتهي هذه الحرب، لكن إعادة البناء سوف تستغرق وقتاً، وخلال كلتا من المرحلة الحالية ومرحلة إعادة البناء، فإن هذا هو ما نحتاجه لتقديم أكبر قدر من الدعم لطلاب الطب وللجامعات الطبية".

ولمزيد من المعلومات حول مبادرة GEM وكيف يمكنك دعم البرنامج، اضغط هنا

ولمعرفة المزيد عن مبادرة «إعادة بناء الأمل» من جامعة بيرزيت، اضغط هنا

وللاستماع إلى الخطاب الكامل للسفير حسام سعيد زملط في جامعة كامبريدج في يونيو 2024، اضغط هنا.  

وقد كان براين كوكس يقرأ «إذا كان يجب أن أموت»، وهي آخر قصيدة كتبها الأكاديمي الفلسطيني رفعت العرعير؛ وتم انتاج هذا التسجيل للمهرجان الفلسطيني للأدب.  

نبذة عن مقدمة الحلقة

ميساء جلبوط هي قيادية بارزة في مجال التنمية الدولية والعمل الخيري تولت العديد من الأدوار المهمة من بينها الرئيس التنفيذي المؤسس لمؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، وهي مبادرة خيرية بقيمة مليار دولار يقع مقرها في دبي، والرئيس التنفيذي المؤسّس لمؤسسة الملكة رانيا. وميساء أيضاً باحثة زائرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة ولاية أريزونا وزميلة غير مقيمة في معهد بروكينغز في واشنطن العاصمة. تابعوا ميساء عبر تويتر @MaysaJalbout.