بنى “مات دايمون” شهرته في قلب صناعة يتحدد فيها النجاح أو الفشل في أرقام صرفة، مثل المداخيل من شباك التذاكر ونسبة الأجور وغيرها، لكن ما يشغل باله في الواقع هو أرقام وإحصاءات بعيدة كل البعد عن كل ذلك.
فما يقلق دايمون هو أن هناك ما يقارب الـ 3.4 مليون شخص يقضون نحبهم كل عام بسبب الأمراض الناتجة عن المياه الملوثة ـ وهو ما يعادل تقريباً عدد سكان مدينة لوس أنجلوس بكاملها، المدينة التي يسكن فيها. وتستحوذ على فكره حقيقة أن في كل 21 ثانية يفقد طفل حياته نتيجة عدم حصوله على ماء صالح للشرب. كما أنه يفكر في ذلك الشخص من أصل تسعة أشخاص في العالم الذي ليس له سبيل إلى مصادر مياه نظيفة ـ وهو الشخص الذي بالإمكان حمايته من التلوث، خاصة ذلك الناتج عن الغائط.
ويقول دايمون: "يتداول الناس الحديث عن الأزمة العالمية للمياه وما سوف يترتب عليها من أمور، لكننا نود أن نذكرهم مرة تلو الأخرى بأن الأزمة قد حصلت بالفعل فيما يتعلق بـ 748 مليون شخص".
أتت صحوة دايمون على هذه الأمور في عام 2006، إثر انضمامه إلى بعثة لتقصي الحقائق في أفريقيا نظمتها "داتا"، المنظمة غير الحكومية التي شارك في تأسيسها الفنان "بونو"، العضو البارز في فرقة "يوتو" (U2) والناشط المخضرم. وتسعى منظمة داتا إلى المساهمة في تحقيق الإنصاف في تعامل الدول مع أفريقيا ومساعدة دول القارة على تخطي مشاكلها الداخلية والخارجية، وهي تركز على مسألة الديون الخارجية والتعامل التجاري ومرض الأيدز (نقص المناعة المكتسبة) وشؤون أخرى مثل الشفافية والديمقراطية. وتنظم داتا رحلات للأفراد ليتمكنوا من اختبار الأوضاع الصعبة التي تحيط بمشاكل تبدو مستعصية الحل، ولقاء الناس الذين يمكن لحياتهم أن تتحسن عن طريق التدخل الذكي. وبينما ركزت البعثة على موضوعين: مرض نقص المناعة المكتسبة أو الأيدز، والقروض البالغة الصغر، أمضى دايمون يوماً كاملاً في جلسة تثقيفية يتعرف من خلالها على الدور المهم الذي يلعبه الماء ـ أو بالأحرى نقص الماء ـ في المشاكل التي تعاني منها أفريقيا وفي تعزيز الحياة البائسة فيها.
يعود دايمون بذاكرته إلى تلك المرحلة في حياته، فيقول: "كنت أدرك أنني أرغب بالمشاركة في القضايا المتعلقة بالفقر المدقع، وأن هناك الكثير من المشاكل الملحة التي يجب علي الاطلاع عليها بعمق في هذا الشأن". ويضيف دايمون: "لقد صُدمت وتعجبت كثيراً كيف إنني لم أسمع من قبل عن الأثر الذي يحدثه نقص الماء في تعميق الفقر، وأن الناس في الولايات المتحدة لا يتحدثون عن هذه المشكلة. كانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت تلعب دوراً كبيراً في مكافحة الأيدز، رغم أن الماء كان يقتل أعداداً أكبر بكثير من الأطفال [حول العالم]".
في تلك الفترة كان طفل واحد يقضي نحبه كل 15 ثانية نتيجة عدم توفر مياه نظيفة وقصور في النظافة الشخصية. ويقول دايمون: "حيث ترعرعت، ليس لك إلّا أن تمشي بضع خطوات لتصل للحنفية، فتفتحها وتحصل على الماء. وهكذا لم نعاني من العطش إطلاقاً، كما لم أعرف أي شخص كان قد عانى من العطش في حياته. لذا كان من الصعب إدراك واقع يموت فيه هذا العدد من الأطفال بسبب أمراض يشكل الماء النظيف أساس علاجها". ويضيف قائلاً: "قد يصاب الأطفال في الولايات المتحدة بالإسهال وقد يتغيبون يوماً عن المدرسة بسبب ألم في المعدة ـ هذا كل ما في الأمر، ومن دون أية مضاعفات تهدد حياتهم".