يتحدث موظفوه عن أن اهتمامه بالتفاصيل يكاد يستحوذ عليه، وأنه يتمهل طويلاً قبل أن يعطي موافقته أو يؤنب أحداً. ويحسده منتقدوه لأنه وريث أسطورة صنعتها عائلة مالكة، وليس رائد مشاريع عصامي. ويتحدث القرويون الفقراء عنه كرمز من العالم الآخر، قادر على تغيير حياتهم بجرة قلم أو بتقطيب حاجبيه الرماديين الكثيفين.
وفي الواقع، تجمع شخصية راتَن تاتا بين هذه الطباع الثلاث. فهو يسرد الإحصاءات كما لو أنها موضوعة أمامه، ويتحدث ببطء وأناة موضحاً حتى الأخطاء اللفظية العابرة. وهو لا يدعي أنه باني إمبراطورية، حيث يشير إلى دوره على أنه "خادم" للشركة التي تملك عائلة تاتا أقل من 2 بالمئة منها. وعندما يتحدث عن مشكلات الهند العديدة فإنه يتحدث من موقع سلطة قوية تجعل قلوب ملايين الهنود ممن لا يستطيعون إسماع صوتهم تهفو إليه.
ويقول: "لقد كان فيلم مليونير العشوائيات (Slumdog Millionaire) فيلماً ناجحاً، لكن البعض يعتقدون أنه أظهر الهند بصورة سيئة. لكنه أظهرها بشكل واقعي، وعلينا جميعاً أن نخجل من عدم المساواة، وأن نحاول حل هذه المشكلة. هل نقوم بذلك حقاً؟ لا. وهذا هو الشيء الذي ينبغي أن نقوم بتغييره".
ومن مكاتبه المتواضعة في مومباي، يقف رئيس مجلس الإدارة السابق لإمبراطورية الأعمال تاتا ذو الـ 76 عاماً في مقدمة هذا التغيير. وعلى الرغم من أنه قد تقاعد من عمله، لكنه ما يزال يحتفظ برئاسة مجلس إدارة تاتا ترستس (Tata Trusts)، وهي مجموعة من أقدم وأكثر المنظمات الخيرية في الهند كفاءة. تمتلك تاتا ترستس نحو 66 بالمئة من رأس مال شركة أبناء تاتا المحدودة، وهي الشركة القابضة لمجموعة تاتا. وقد تأسست مجموعة تاتا عام 1868، وتشمل أكثر من 100 شركة في قطاعات متنوعة مثل تقنية المعلومات والهندسة والطاقة والحديد والكيماويات والسيارات.
ولأكثر من قرن، تم تكريس جزء كبير من أرباح التكتل العملاق من أجل المساعدة على تغيير حياة الفقراء في الهند. وفي حين اعتادت مجموعة تاتا إنفاق 4 بالمئة من أرباحها الصافية على الأنشطة المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للشركة، فقد أنفقت أكبر مؤسستين في تاتا ترستس 800 مليون دولار إضافية خلال عقدين من الزمن تولى تاتا خلالهما رئاسة مجلس إدارة كلا المؤسستين. وبينما أصبح تكثيف الجهود في المجالات الخيرية أحد ضرورات ريادة الأعمال الناجحة، يحاول تاتا غرس هذه الثقافة في تاتا ترستس، ويقوم الآن بالإشراف عليها بشكل يومي.
ويقول: "نتمنى أن نتمكن من التعامل مع الأنشطة الخيرية في تاتا ترستس ككيان مؤسساتي عن طريق وضع الأهداف واختيار الكفاءات ومراقبة نتائج وفوائد العمل. وقبل كل شيء، يجب علينا أن نتساءل عن كيفية إدارة الأمور. وهو ما واجهته مع مجموعة تاتا عندما بدأت. لقد قيل لي 'هذه هي الطريقة التي نعمل بها منذ 25 عاماً، ومن أنت لتسأل؟' لكن عندما تكون رئيس مجلس الإدارة سيتعين عليهم الإجابة، وهكذا حدث التغيير".
وقد أثار النهج الذي اتبعه تاتا الاستياء في البداية لكنه ساعد على نمو عائدات مجموعة تاتا عشرة أضعاف إلى 100 مليار دولار خلال رئاسته لمجلس الإدارة. وإذا استطاع أن يحقق ولو نسبة ضئيلة من هذا التأثير الآن في الوقت الذي يتركز فيه كل وقته على تاتا ترستس، فسيثبت خطأ المشكِّكين مرة أخرى.
ويعترف تاتا قائلاً: "إن العمل بصورة تقليدية هو نقطة الضعف الكبرى لدى تاتا ترستس، فهناك مقاومة شديدة للتغيير ولم يتم التخلص من تلك العقلية بعد. تتمثل الأولوية في الخروج للتعرف على ما تفعله المؤسسات الأخرى، وتوسيع آفاق تفكيرنا ومقارنة أدائنا بالآخرين".