في الوقت الذي كان فيه كوفيد-19 يجتاح العالم في مارس 2020، وبينما كانت الدول المختلفة من باكستان وحتى نيوزيلندا تغلق حدودها وتصدر تعليمات لمواطنيها بالبقاء في منازلهم، كان الفنان البريطاني ساشا جفري يواجه حظراً من نوع آخر في دبي، ظل خلاله حبيس إحدى قاعات فندق أتلانتس الشهير في المدينة.
ويقول الفنان البالغ من العمر 44 عاماً أن ذلك لم يكن ما خطط له لهذا العام، ويضيف في حديث مع ’زمن العطاء‘: "كان من المفترض أن تكون 2020 هي السنة الأبرز في مسيرتي الفنية. فقد كان لدي معرض مع غاليري ساتشي لعرض الأعمال التي قدمتها على مدى 18 عاماً، مع جولة مرتقبة في 35 مدينة و28 دولة حول العالم. فضلاً عن ذلك، كنت أعمل على لوحة لافتتاح أولمبياد طوكيو، وعلى أخرى لإطلاق معرض إكسبو في دبي. ثم بدأ كوفيد باجتياح العالم".
بدلاً من الاستمرار في العمل على ما خطط له، أمضى جفري السبعة أشهر التالية من مارس حتى سبتمبر ولمدة 20 ساعة يومياً منحني الظهر وهو يرسم على قطعة من القماش تبلغ مساحتها 17,000 قدم مربع ممتدة على أرضية قاعة الفندق. استخدم جفري 1,065 فرشاة و6,300 لتر من الطلاء لإتمام اللوحة التي تركته بعد الانتهاء منها بحاجة إلى عملية جراحية لعلاج الضرر الذي لحق بفقراته وحوضه بعد العمل لساعات طويلة.
غير أن نتيجة هذا الجهد الدؤوب كانت "رحلة الإنسانية"، وهي أكبر لوحة فنية يتم رسمها على القماش في العالم، والتي تم بيعها بمبلغ 62 مليون دولار في مزاد خيري تم بثه على الهواء مباشرة في دبي في شهر مارس الماضي. ويشكل هذا المبلغ أكثر من ضعف الثمن الذي كان جفري يستهدفه للوحته الغنية بالألوان والتي أصبحت واحدة من أغلى اللوحات التي يتم بيعها لفنان على قيد الحياة في العالم، متفوقة بذلك على جميع لوحاته التي تم بيعها في مزادات في السابق.
أحدث قرار التبرع بريع اللوحة لأعمال الخير قفزة مماثلة في صفوف المانحين في دول مجلس التعاون الخليجي، ما جعلها واحدة من أكبر الهبات الخيرية الفردية التي تم تقديمها هذا العام حتى الآن. وسوف تستفيد أربع منظمات من هذه الأموال وهي مؤسسة دبي العطاء غير الربحية التي تركز على التعليم، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)؛ ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)؛ ومؤسسة غلوبال غيفت التي يقع مقرها في إسبانيا.
وسيتم توظيف التمويل الذي تم الحصول عليه لدعم الأطفال المتضررين من جائحة فيروس كورونا لتوسيع نطاق حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم والصرف الصحي والتصدي لمشكلة الفقر الرقمي.
ويقول جفري: "لقد شعرت بالذهول من كمية الأموال التي تم جمعها". ويضيف قائلاً: "أعتقد أن أحد الأدوار التي يضطلع بها الفن هو الارتقاء بالنفس الإنسانية. اعتقد أن اللوحة قد تمكنت من فعل ذلك واستطاع الناس تكوين هذا الارتباط معها. إن الأموال التي جمعناها والمساعدات التي يمكننا أن نقدمها باستخدام هذه الأموال لا تصدق - وهذا ما يجعلني سعيداً جداً".
من جهته، يقول مشتري اللوحة، وهو رجل الأعمال الفرنسي أندريه عبدون الذي يعمل في مجال العملات المشفرة ويقيم حالياً في دبي، أنه يأمل في أن تساعد هذه الأموال الأشخاص الأكثر تضرراً من جائحة كوفيد-19. وقال في حديث مع وكالة فرانس برس: "أنا من أسرة فقيرة، وقد عرفت في بعض الأوقات ماذا يعني أن لا يجد المرء شيئاً يأكله. لكنني على الأقل كنت أتمتع بحب والديّ وقد حصلت على التعليم والدعم ... علينا أن نفعل شيئاً وإذا كان بإمكاني المساهمة بجزء صغير، فأنا سعيد بذلك".