العمالة الفقيرة
يعيش في مملكة البحرين أكثر من 450,000 عامل وافد، معظمهم من دول جنوب شرق آسيا مثل الهند وسريلانكا والفلبين. يعمل غالبية هؤلاء في قطاع التشييد والبناء أو كعاملين أو عاملات في المنازل، وهم لا يتلقون إلا أجوراً زهيدة ويتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة. وما يزيد الوضع سوءاً أن معظمهم لا يدركون حقوقهم أو قانون العمل والنظام القضائي في البحرين، بينما يخشى الكثيرون الكشف عن معاناتهم خوفاً من خسارة عملهم أو غيرها من التبعات التي قد تترتب على ذلك.
تم تأسيس جمعية حماية العمّال الوافدين عام 2005 بهدف المساهمة في الحفاظ على حقوق العمّال الأجانب من ذوي الدخل المتدني. وبينما تتنوع طرق المساعدة، إلا أن أبسطها يتمثل في مساعدة أولئك الذين يجدون أنفسهم في ورطة ولا يجدون من يساندهم أو يقدم يد العون لهم. ويعني ذلك أننا نوفر لهم اللباس والطعام أو نقدم النصح حول كيفية تخفيف عبء الديون، أو نساعد أولئك الذين فقدوا وظائفهم في العودة إلى أوطانهم.
ونعمل أيضاً في كسب التأييد والدفاع عن حقوق هؤلاء العمّال والدعوة لإجراء تعديلات في القوانين كي تراعي مصالحهم بشكل أفضل. نحن نبحث عن حلول طويلة الأمد، عوضاً عن وضع ضمادة على الجرح فقط. فهدفنا الأبعد هو الدفع بالتغيير الإيجابي.
أكثر الشكاوى شيوعاً لدى هؤلاء العمّال بين جميع الشكاوى التي نتعامل معها تتعلق بتوقف رب العمل عن دفع الأجور. وهناك أيضاً حالات لا تحصى من الإساءة الجسدية والتحرش الجنسي، خاصة لدى فئة العمالة المنزلية. ومن المؤسف أننا لن نسمع عن الجزء الأكبر من هذه الحالات كونها تحصل داخل المنازل، وغالباً ما تمتنع العاملات المنزليات عن الإفصاح عن هذه الإساءات بسبب خوفهن أو جهلهن بكيفية طلب المساعدة. لذا يركز جزء كبير من عملنا في هذا المجال على توعية العاملات بأن بمقدورهن طلب المساعدة وفعل شيء حيال مثل هذه الممارسات.
ومن الممارسات الشائعة الأخرى، رغم مخالفتها للقانون، هي مصادرة أصحاب العمل لجوازات سفر موظفيهم وبطاقات هوياتهم. هذا يعني أنه في العديد من حالات هروب العمّال من مقر عملهم بسبب سوء معاملة رب العمل، لن يكون بحوزتهم وثائقهم الثبوتية، وعليه سيكون من الصعب جداً عليهم طلب المساعدة من الشرطة أو المستشفيات من دون وسيلة تعرّف عنهم في النظام الإلكتروني الحكومي.
من جهة أخرى، تعج مرافق سكن العمّال بالقاطنين فيها، كما أنها عرضة للحرائق التي تنشب بسبب خلل في توصيلات الأسلاك الكهربائية أو زيادة التحميل على مقابس الكهرباء في الغرف التي يتشارك في الواحدة منها ما يصل إلى 10 أشخاص. تسبب هذه الحرائق خسائر في الأرواح أو الممتلكات الشخصية التي تترك صاحبها معدماً. إنها مأساة حقيقية.
لدينا لجنة مختصة بمعاينة مرافق سكن العمّال بشكل دوري للتحقق من توفر شروط السلامة، تقوم بتركيب أجهزة إنذار الحرائق حيثما تكون هناك حاجة إليها، أو إبلاغ الجهات المعنية عن أي نواقص في شروط السلامة. وعند اندلاع الحرائق نقوم بتزويد المتضررين بحزم إغاثية تحتوي على الملابس والمستلزمات الضرورية الأخرى لتغطية احتياجاتهم المباشرة، كما نوزع عليهم الطرود الغذائية أو القسائم لتناول الوجبات في المطاعم.
تعد معدلات الانتحار مرتفعة بين العمالة الوافدة، وهي غالباً مدفوعة باليأس بسبب الضغوط المادية، حيث تعد الديون مشكلة شائعة. لذا يرتكز جزء من جهودنا على التوعية داخل المجمعات السكنية للعمّال لمكافحة اليأس ودعم الصحة النفسية والعقلية في صفوفهم. كما ننظم لهم جلسات بحضور متخصصين نفسيين لمساعدتهم على التعرف على عوارض الاكتئاب وفهمها ليتمكنوا بدورهم من مساعدة أنفسهم ومن حولهم. كما نوفر لهم خطوط اتصال مباشرة عند شعورهم بعوارض الاكتئاب – وإذا تطلب الأمر، نحولهم إلى اختصاصيين مرخصين للمعالجة. إضافة إلى ذلك، نعمل على تنسيق زيارات الأطباء للمجمعات السكنية من أجل إجراء الفحوصات العامة للعمّال وتقديم الاستشارات الطبية اللازمة.
فرضت جائحة كوفيد-19 علينا مجموعة جديدة من التحديات الصعبة. أولاً، خسر عشرات الألوف من العمّال وظائفهم بسبب الجائحة، ولم يستلم العديد غيرهم ممن بقوا في وظائفهم أجورهم لأن غالبية الشركات التي توظفهم لم تعد تملك السيولة لدفع المستحقات المتوجبة عليها. على حلفية ذلك، نقدم حالياً الإغاثة لنحو 11,000 عامل من خلال تزويدهم بطرود غذائية توفر لهم الطعام لمدة شهر.
ومنذ إعادة فتح الحدود واستئناف الرحلات الجوية، بدأنا العمل على إعادة العمّال الذين فقدوا وظائفهم ويرغبون في الرجوع إلى أوطانهم. في بعض الحالات، كانت هناك مجموعات من العمّال من مناطق في الهند وسريلانكا التي لم تُستأنف الرحلات الجوية التجارية إليها بعد. فلجئنا في أوائل شهر أغسطس إلى استئجار طائرة لإعادة 169 عاملاً إلى تشيناي في الهند لتخطي عقبة عدم تسيير رحلات تجارية إلى هذه الوجهة. كما استخدمنا أموالاً من ميزانية الجمعية لنغطي تكاليف تذاكر سفر العمّال والفحوص الطبية اللازمة لكوفيد-19.
جمعية حماية العمّال الوافدين هي منظمة مستقلة بالكامل وإحدى المنظمات غير الحكومية القليلة العاملة في البحرين، حيث يقتصر المجتمع المدني بشكل عام على المؤسسات الدينية أو المدعومة من قبل الحكومة. وتساعدنا هذه الاستقلالية على بناء الثقة مع العمّال الذين نعمل على مساعدتهم.
بدأت الجمعية أعمالها بشكل فعلي منذ 15 عاماً على يد ست سيدات ناشطات في العمل الخيري لصالح العمّال الوافدين وكانت قريبتي واحدة منهن. قررت تلك السيدات ضم جهودهن ومواردهن سوياً، وخلال عام واحد تمكّنّ من تسجيل الجمعية رسمياً كمنظمة غير حكومية.
واليوم، لدينا 60 متطوعاً، يشكل نحو 25 منهم فريق العمل الرئيسي الأكثر نشاطاً. نحن فريق صغير من نساء ورجال ينتمون لجنسيات مختلفة تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وسريلانكا وباكستان، وجميعنا يبذل جهده لإنجاح أعمال جمعيتنا. يمتلك كل عضو في الفريق مهاراته الخاصة ليقدمها لخدمة أنشطة الجمعية، والجميع يساهمون بوقتهم وجهودهم أينما استطاعوا – وأحياناً على حساب وقتهم في وظائفهم الخاصة أو مع أفراد عائلاتهم.
نحصل على التمويل من مزيج من المصادر تضم أفراداً وشركات خاصة وشركات متعددة الجنسيات وبنوك. ومن بين المتطوعين لدينا محامون يقدمون لنا ساعات عمل واستشارات قانونية مجانية. وتبلغ قيمة المصروفات الشهرية للجمعية نحو 4,500 دولار، ويتم تخصيص 95 بالمئة من إجمالي التبرعات التي نجمعها لمساعدة العمّال الوافدين.
"تعد معدلات الانتحار مرتفعة بين العمالة الوافدة، وهي غالباً مدفوعة باليأس بسبب الضغوط المادية".
عند الحاجة، نلجأ أيضاً إلى جمع التبرعات لحالات فردية. على سبيل المثال، قمنا في يوليو الماضي بمساعدة عامل بناء كان قد أصيب بفيروس كورونا. وبينما كان هذا العامل يتلقى العناية في المستشفى تم تشخيصه بسلالة خبيثة من بكتيريا السل، وفجأة انهارت حياته إذ أصبح غير لائق صحياً للعمل، ولم يعد له خيار إلا العودة إلى الهند ليتعافى في بلده. تمكنا من جمع مبلغ 8,000 دولار من مانحين في البحرين لمساعدته على دفع فواتير المستشفى وأخذ إجازة من عمله لفترة عام واحد وتمكّنه من الاستمرار في إعالة زوجته وأولاده في الهند. لقد واجهنا الآلاف مثل هذه الحالات، حيث وظفنا كل إمكانياتنا وعلاقاتنا لتقديم المساعدة وتغيير حياة الناس إلى الأفضل.
يعد حشد الرأي وكسب التأييد إحدى المحاور الرئيسية في عملنا. نحن على تواصل دائم مع الجهات الحكومية لنعرض عليهم مختلف القضايا ونسعى لكسب تأييد المسؤولين والضغط في سبيل إيجاد الحلول. وكثيراً ما نتحدث إلى أعضاء مجلس الشورى، كما يوجد لدينا اتصال مباشر مع المسؤولين في دوائر العمل – ما يمكننا من طلب المساعدة في تسهيل سير الحالات التي تبدو عالقة في الدوائر. بالإضافة إلى هذا، نعمل مع أجهزة الإعلام المحلية لنسلط الضوء على قضايا العمّال وندفع بعجلة التغيير.
يجب أن يخضع أرباب العمل والشركات التي توظف العمّال الوافدين للمساءلة بشكل أكبر فيما يتعلق بأوضاع موظفيهم وسلامتهم. هناك قواعد وأنظمة قائمة، لكن لا يتم دائماً اتباعها. ولذلك نسعى على سبيل المثال إلى أن تنظيم المزيد من الزيارات لمعاينة التجمعات السكنية للعّمال، كي يتم التحقق من مدى التزام الشركات بالقوانين والأنظمة، وتحديد الشركات التي يتوجب عليها تحسين أدائها.
ونعمل حالياً على إعداد توصيات للجهات الحكومية المعنية لتوفير مستوى حماية أفضل للعمالة المنزلية كونهم غير مشمولين كلياً بقانون العمل الحالي في الدولة. وتشمل مقترحاتنا تحديد مستوى أدنى للأجور وحد أقصى لساعات العمل المسموح بها في اليوم، فضلاً عن منحهم الحق في يوم عطلة خلال الأسبوع. فهناك العديد من العاملين والعاملات في المنازل الذين يتم استغلالهم وإرهاقهم بساعات عمل طويلة.
"لقد زاد مستوى الوعي بين سكان البحرين بالمصاعب التي يواجهها العمّال الوافدون من ذوي المهارات البسيطة".
حققت حكومة البحرين تقدماً واضحاً وملموساً على مدى الـ 15 عاماً الماضية منذ انطلاق الجمعية. على سبيل المثال، كنا في السابق ندير مأوىً للعاملات الوافدات، وعندما اضطررنا لإغلاقه في أبريل عام 2019 بسبب نقص في التمويل، أدركت الجهات الحكومية ضرورة وجود مرفق كهذا. فقامت بافتتاح مركز حماية ودعم العمالة الوافدة لمساعدة ضحايا الاتجار وسوء المعاملة، الذي يسع لاستقبال 60 رجلاً و60 امرأة. ويستطيع العمال والعاملات التوجه إلى المركز عندما يواجهون مشاكل مستعصية حيث يتوفر لهم المأوى وخدمات النصح والارشاد.
كما تخطط حكومة البحرين لوضع نظام يلزم جميع العمّال بامتلاك حساب مصرفي يتم تحويل أجورهم عليه بشكل مباشر. يتم حالياً البدء بتنفيذ هذا النظام بشكل تدريجي، لكن متى ما تم تطبيقه بشكل كامل فسوف يساعد في معالجة حالات التوقف عن دفع الأجور.
لا شك أن جائحة كوفيد-19 قد تسببت بالكثير من المعاناة، لكنها ساهمت أيضاً في تغيير سلوكيات البشر. فالتعاطف والشعور مع الغير الذي أبداه الناس خلال تفشي الجائحة كان هائلاً، وقد انعكس بزيادة كبيرة في التبرعات التي شهدناها مؤخراً. لقد زاد مستوى الوعي بين سكان البحرين بالمصاعب التي يواجهها العمّال الوافدون من ذوي المهارات البسيطة، فهم يأتون إلينا اليوم للسؤال عن الطريقة التي يمكنهم بها المساعدة. كما نلحظ تغيراً في نظرة الدوائر الحكومية، خاصة أنها تعلمت كثيراً من تعاملها مع تبعات الجائحة. أعتقد – وآمل أيضاً – أن هذا التغيير سيستمر. – PA