تعد الزكاة قضية الساعة في الأوساط الإنسانية. فهذا المفهوم الذي لم يكن معروفاً إلى حد كبير خارج العالم الإسلامي قبل عقد من الزمن يتم الترحيب به اليوم كحل جزئي للعجز في تمويل المعونة على مستوى العالم، إذ أنه تنطوي على إمكانات هائلة يمكن الاستعانة بها وتوسيع نطاقها.
ولا يعد من المبالغة تسمية هذا التطور بالتغير الملموس. ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وجدت العديد من المنظمات الخيرية الإسلامية نفسها موضع شبهات. وأدت القوانين الصارمة لمكافحة الإرهاب إلى تشديد الرقابة على المنظمات الإسلامية باعتبارها واجهات محتملة للإرهاب والجهاد، وفي بعض الحالات تعرضت هذه المنظمات للتمييز ضدها.
غير أنه خلال السنوات التي تلت ذلك - وبالتزامن مع تزايد الاحتياجات الإنسانية في شتى أنحاء العالم – أخذ هذا الخطاب بالانحسار. واليوم، ثمة إقرار متزايد بالدور الذي يمكن أن يلعبه العطاء الإسلامي في توفير التمويل الذي تشتد الحاجة إليه للتصدي للعديد من القضايا التي تواجه عالمنا بدءاً بإغاثة اللاجئين وانتهاءً بالتخفيف من حدة الفقر.
وقد ترافق هذا الاتجاه مع تزايد أعداد الصناديق التي تركز على الزكاة. فقد كرست منظمات مختلفة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة إنقاذ الطفولة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فرقاً للعطاء الإسلامي، فضلاً عن إطلاقها منصات وقنوات لجمع التبرعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وبفضل التكنولوجيا، بات دفع الزكاة أكثر سهولة مما مضى، فبطاقات الائتمان والمواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف تجعل عملية دفع الزكاة سلسة للغاية وتمكّن المسلمين من البحث عبر الإنترنت عن القضايا التي يرغبون بتوجيه أموال زكاتهم إليها. كما توفر بعض المنصات أدوات لحساب الزكاة والصدقات يمكن للمتبرعين من خلالها حساب المبلغ الذي يتوجب عليهم - أو يريدون – دفعه والاحتفاظ بسجل للأموال التي تم التبرع بها على مدار العام.
لكن في خضم كل هذا التقدم، تبرز بعض المسائل الأخلاقية، فأنا أرى المزيد من الحملات الإعلانية المتميزة لمنظمات عالمية تم تصميمها لتشجيع المسلمين على التبرع بزكاتهم لقضية محددة. وبالطبع لا يمكن للجمعيات الخيرية الأصغر حجماً المنافسة. ولذلك سيكون لدينا عدد قليل جداً فقط من المنظمات التي تدير أموال الزكاة بقدر كبير من الصلاحية والسلطة، ما يجعل رصد تأثيرها الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى.