تقوم المؤسسات الخيرية في جميع أنحاء المنطقة العربية بعمل رائع لتمويل البرامج المبتكرة في العديد من المجالات كالتعليم والرعاية الصحية وتمكين الشباب، فضلاً عن توفير الدعم الإنساني المنقذ للحياة للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه.
غير أنه بعيداً عن عناوين الأخبار والتقارير غير الرسمية، لا يزال من الصعوبة بمكان معرفة الجهات والمجالات التي يموّلها الناس بالضبط وتحديد الأثر الملموس لاستثماراتهم والأماكن التي لا تزال فجوات التمويل والاحتياجات فيها قائمة.
ويعزى ذلك إلى الغياب الشديد الوضوح للبيانات المفيدة حول العطاء والأعمال الخيرية في المنطقة العربية وثقافة انعدام الشفافية الراسخة في أوساط الجهات المانحة والمنظمات العاملة في القطاع غير الربحي.
وقد كان اكتشاف ذلك أمراً صعباً للغاية حين توليت منصب الرئيسة التنفيذية لملتقى المؤسسات العربية الداعمة Arab Foundations Forum في عام 2014. ولأنني كنت حينها حديثة العهد بقطاع العمل الخيري وبعد 17 عاماً من العيش بعيداً عن المنطقة، بدأت بتثقيف نفسي حول بيئة العطاء فيها.
وبينما صدرت مجموعة من التقارير والبحوث النوعية حول العمل الخيري في العالم العربي - والمبادرات الجديدة مثل دليل سيركل، وهو قاعدة بيانات للمؤسسات الإقليمية والمنظمات غير الربحية والمؤسسات الاجتماعية - لا يزال هناك نقص حقيقي في البيانات المثبتة.
وعندما بدأت في التواصل مع أعضاء ملتقى المؤسسات العربية الداعمة من أجل فهم احتياجاتهم والتحديات التي يواجهونها في بداية فترة عملي، تحدث الجميع تقريباً عن الرغبة في الحصول على المزيد من البيانات ليتمكنوا من التمتع بفهم أكبر لما يقوم به أقرانهم والتعرّف بشكل أفضل على البيئة الأوسع التي يعملون بها.
لكن بمجرد أن يتحول الحديث نحو مسألة الشفافية والمساءلة، كنت أقابل في أغلب الأحيان بمقاومة، حتى أن البعض كان يعبّر عن عدم استعداده لتطبيق مثل "هذه المعايير والتوقعات الغربية" على منطقتنا.
وعلى الرغم من أن معظم الأعضاء اعتبروا الشفافية والمساءلة قيمتين أساسيتين لا بد من احترامهما، كانوا مترددين في تطبيق المعايير العالمية على أعمالهم. وقد كشف المزيد من البحث في هذه المسألة عن بعض الأسباب الأكثر تفصيلاً وراء هذه المقاومة - وتبين أن العقبات تتسم بالتعقيد.
أولاً، هناك افتقار للحوافز التي تشجع على الشفافية، وفي بعض الحالات حتى المخاطر المترتبة على الشفافية تخضع للتدقيق من بعض حكومات المنطقة. ثانياً، يولي الإسلام (الدين السائد في المنطقة) أهمية شديدة للعطاء والعمل الخيري الذي يتم في الخفاء، وهو تناقض مباشر مع تعريف الشمال العالمي للمساءلة والشفافية الذي يعتبره البعض خارجاً عن سياق المنطقة.
وعلى الرغم من أنها شواغل مشروعة، إلا أنني على يقين بأن الفوائد المترتبة على تبني مستويات أعلى من الشفافية ومشاركة البيانات تفوق بكثير أي سلبيات، وفي ملتقى المؤسسات العربية الداعمة نحن ملتزمون بإيجاد طرق لتسهيل مشاركة البيانات مع احترام الفوارق الدقيقة ذات الصلة بالسياق في المنطقة.