توجد العبودية بيننا منذ آلاف السنين، فهي موثقة على الألواح المحفورة منذ 4,000 عام. وفي حين أنه من دواعي الارتياح والرضا الاعتقاد بأنها من مخلفات التاريخ، إلا أنها وللأسف ليست كذلك. وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها المناهضون للعبودية في الماضي، إلا أن هذه الممارسة لا تزال قائمة في كل دولة من دول العالم، بل هي في ازدهار في العديد منها.
ومع أن العبودية محظورة في جميع أصقاع الأرض، إلا أن ما يقدر بنحو 46 مليون شخص على مستوى العالم ما زالوا يعانون من العبودية اليوم. ويتجلى جوهر هذه الجريمة المروعة في السيطرة على الأفراد من خلال العنف وغيره من أشكال الإكراه من أجل إجبارهم على العمل.
إن العبودية المعاصرة تمس حياتنا جميعاً. فهواتفنا المحمولة تحتوي على معادن غالباً ما يتم الحصول عليها من المناجم الكونغولية التي يعمل فيها الأطفال تحت سلطة الميليشيات. وربما تكون رفوف المحلات في مناطقنا مليئة بأنواع الروبيان والأسماك الرخيصة المستوردة من تايلاند والتي ينتجها المهاجرون البورميون والكمبوديون المستعبدون على قوارب الصيد التايلاندية.
ربما تكون ملابسنا التي نستطيع الحصول عليها بأثمان بخسة قد صنعت على أيدي فتيات من ضحايا الاسترقاق في بنغلاديش، أو تم صنعها من القطن الذي يتم إنتاجه بالعمل القسري في أوزبكستان. وفي المدن التي نقطنها، ربما تتعرض الفتيات والنساء المستضعفات اللواتي يبحثن عن حياة أفضل للخداع ويتم إجبارهن على العمل في بيوت الدعارة، حيث يتعرضن للاغتصاب كل ليلة.
لكن لماذا تتفشى العبودية إلى هذا الحد على الرغم من أنها محظورة في كل دولة من دول العالم؟ الجواب هو أن العبودية المعاصرة تزدهر عندما تتقاطع العوامل الثلاثة التالية: الطلب على العمالة الرخيصة للغاية، وضعف الأفراد وتهميشهم، وضعف سيادة القانون.
إن ازدياد الطلب على العمالة الرخيصة جداً يغذي العبودية ويعززها. بالطبع، لا حرج من الناحية القانونية من السعي للحصول على تكاليف عمالة أقل طالما أن ذلك يتم في إطار القانون. لكن في حالة العبودية المعاصرة يكون الهدف دفع أجور زهيدة للغاية في خرق واضح لذلك القانون.
للأسف، غالباً ما يقدم مرتكبو الجرم مبررات اقتصادية قوية لممارسة العبودية. إنها تسمح للشركات بتقليل تكاليف العمالة بشكل غير قانوني، ما يمكنها من إنتاج سلع وخدمات أرخص وبالتالي زيادة أرباحها إلى أقصى حد. وكما تفيد منظمة العمل الدولية، فإن العبودية تدر أرباحاً سنوية تصل إلى 150 مليار دولار.
كما يعتبر الطلب على المدخلات الرخيصة مدفوعاً باقتصادنا المعولم حيث غالباً ما تمتد سلاسل توريد عبر القارات. وقد يكون لدى الشركات المتعددة الجنسيات خمسة أو ستة مستويات من سلاسل التوريد الخاصة بها: بدءاً بمتجر التجزئة المعروف وانتهاءً بقاطف القطن في أوزبكستان، أو الصياد في تايلاند، أو عامل المنجم في الكونغو.
وتتم ممارسة الضغوطات في كل مستوى من هذه المستويات لتحقيق المزيد من التخفيض في التكاليف، حتى نتمكن نحن المستهلكون في النهاية من شراء قمصاننا بثلاثة دولارات، أو التمتع بوجبة سوشي منخفضة التكلفة أو امتلاك هواتف ذكية أسرع من أي وقت مضى.