س. ما مدى أهمية العلاقات الجيدة التي تربطكم بدول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة لعملكم في المنطقة؟
تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات خطرة، لكنها تتمتع بموارد هائلة، ومستوى عالٍ من الإبداع وسعة الحيلة، إضافة إلى تواجد بعض الحكومات ومجموعة من رواد العطاء الذين يُعدّون من الأكثر سخاءً في العالم. نحن لا نعتمد على كرم شركائنا هناك فقط، بل أيضاً على درايتهم بجغرافية المنطقة، وتحديات التنمية فيها، فضلاً عن علاقاتهم بالمجتمعات المحلية التي قد يصعب علينا الوصول إليها.
على سبيل المثال، تعاونّا بشكل وثيق مع حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في العديد من المبادرات، كان أهمها يتعلق بمكافحة داء شلل الأطفال. وتشاركنا في العام 2013 مع ولي عهد أبوظبي، سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، باستضافة القمة العالمية للقاحات. وجمعت تلك القمة أكثر من 4 مليارات دولار لدعم جهود مكافحة داء شلل الأطفال ومحاولة جعله ثاني مرض يتم القضاء عليه عالمياً. نحن أيضاً جهة مانحة لصندوق الشفاء الذي يضم أسراً سعودية تدعم جهود القضاء على داء التهاب السحايا من الفئة A في أفريقيا، وشلل الأطفال عالمياً.
من جهة أخرى، يُعد البنك الإسلامي للتنمية شريكاً مهماً لنا، فنحن نتشارك معه برؤيتنا حول عدد من الأولويات المتعلقة برفع الأعباء التي يرزح تحت ثقلها سكان المنطقة بسبب الفقر والأمراض. وساهمنا أيضاً بجعل قروض البنك الإسلامي للتنمية متاحة بكلفة أقل للدول الأفقر لاستخدامها لأغراضهم أو لاستثمارها بمستقبلهم.
س. أنت مناصرة لقضية تمكين المرأة. برأيك، لمَ يوصف دور النساء بأنه حاسم في جهود تحقيق الأهداف العالمية للتنمية؟
عندما نريد تحسين حياة الناس في أي مجتمع كان، فالعمل على تمكين المرأة هو نقطة انطلاق جيدة. ويعود ذلك إلى العديد من الأسباب التي يتعلق أهمها في ترتيب أولويات المرأة، فإن كان لدى المرأة دولار واحد ستنفق نحو 80 سنتاً منه على عائلتها، فتشتري لهم حاجيات مثل الغذاء الصحي، وتدفع تكلفة معاينة الطبيب والتعليم. لقد تحدثت خلال تجوالي إلى الكثير من النساء حول العديد من الأمور المادية؛ وأهم الأولويات التي كانت تذكرها معظمهن تعلقت بدراسة أطفالهن؛ سواء كان ذلك دفع أقساط المدارس أو تكلفة الكتب المدرسية أو مستلزمات التعليم الأخرى.
الاستثمار بهن له مردود جيد. فعندما يكون قرار كيفية إنفاق مدخول الأسرة بيد النساء، تجد أن فرص أطفالهن في البقاء على قيد الحياة ترتفع بنسبة 20 بالمئة، كما يصبح من المرجح أكثر أن يتحسن مستوى معيشتهم. هكذا يُعدّ التركيز على النساء والفتيات أكثر طريقة مباشرة لضمان عافية وبحبوحة الأسرة، ما ينعكس على اقتصاد الدول ليزيده تقدماً.
س. ما المزيد الذي يمكن فعله لتحفيز نقلة نوعية في حياة النساء والفتيات في الدول النامية؟
دائماً ما أحاول أن أرسخ في ذهن أطفالي الثلاثة، أنه يجب على من له صوت يُسمع من بين الحشود أن يستخدمه للتكلم بلسان النساء والفتيات اللواتي لا صوت لهن. إنها مسؤوليتنا معاً. يجب أن نكون مناصرين للنساء والفتيات في كل مكان لنضمن أن يتمتعن بالعافية وأن يُعاملن باحترام، ليكن قادرات على صنع مستقبل أفضل لهن ولأسرهن.
لم نصل بعد إلى هذا المستوى. ففي كل يوم من أيام السنة تقضي نحو 800 امرأة حامل نحبها خلال الولادة، وغالبيتهن لأسباب يمكن منعها. هذا شيء غير مقبول، ويجب على العالم فعل المزيد لمعالجة هذه المسألة.
هناك أصوات قوية في العالم الإسلامي تدعو إلى تمكين المرأة. من بينهم الأمير السعودي الوليد بن طلال الذي ينادي منذ سنوات بمنح المرأة حقوقها. وقد سُررت جداً عندما علمت أن تمكين المرأة سيكون أحد الأمور الرئيسية التي سيستثمر بها ثروته في عالم العطاء. كما التقيت العام الماضي لانا نسيبة، سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة في الأمم المتحدة، التي حدثتني بعزم كبير عن التزام بلدها بالمساواة بين الجنسين.
للرجال والفتيان أيضاً دور يؤدونه في هذا المجال. عندما زرت ملاوي العام الماضي، التقيت بمجموعة من الرجال الذين يُعرفون في قريتهم باسم "الرجال الأبطال"؛ ذلك لأنهم يساهمون بتغيير المفاهيم المحلية التي تتعلق بالجنسين. أخبروني أنهم يسعون لترسيخ رسالتهم بدءاً من أولادهم في وقت مبكر، وذلك من خلال إرشادهم وإطلاعهم على الدور الذي يتوجب عليهم أداؤه لجعل العالم مكاناً فيه انصاف أكثر للمرأة.
المزيد من الأصوات، والمزيد من الدعم، وتوعية أوسع، وتعاون أكبر ـ هذه بعض الأمور اليسيرة التي يمكن لقارىء هذه المقالة فعلها اليوم.
س. عندما تتأملين أعمالك على مدى الـ 15 سنة الماضية، ما هو أكثر عمل يدعوك للفخر؟
نحن فخورون جدّاً لأننا جزء من التحالف العالمي للقاحات والتحصين "غافي"، الذي ينسق الجهود بين الشركات والحكومات ومنظمات الإغاثة الإنسانية بهدف إيصال اللقاحات المنقذة للحياة إلى الأطفال الذين هم بأمس الحاجة لها في الدول الفقيرة. فلغاية اليوم استطاع تحالف "غافي" تلقيح أكثر من نصف مليون طفل، وإنقاذ ما يزيد عن 7 ملايين شخص - مستثمراً نصف التمويل المستخدم لهذه العمليات في الدول الإسلامية.
هناك لحظة أخرى مهمة بالنسبة لي أيضاً، وهي مساهمتي في تنظيم مؤتمر قمة لتنظيم الأسرة في لندن عام 2012. شاركت في المؤتمر عشرات الدول التي أكدت على التزامها بمساعدة أكثر من 100 مليون امرأة حول العالم بالحصول على منتجات منع الحمل كي يتمكنّ من تنظيم أسرهن من خلال تحديد عدد الأطفال الذين ترغب الأسرة بإنجابهم والتمكن من مباعدة الفترات بين الحمل والآخر. كانت حصيلة المؤتمر التعهد بمنح أكثر من ملياري دولار، وكانت تلك أول مرة يتعدى سقف التبرعات لقضايا النساء أو الفتيات في العالم حاجز المليار دولار. إنه حدثٌ لن أنساه أبداً.